يالها من فكرة.. فبالرغم من أننا كشرقيين نملك فائضا من الكسل غير إننا ما نزال بحاجة إليه في شأن واحد, على الأقل: الأدب. فهناك أناس حولنا, يستيقظون في ساعات مبكرة, ليسوا طغاة ولا فاشيست ومع ذلك فهم يقومون بأعمال غير طيبة. انهم يؤلفون الكتب.. الكثير الكثير من الكتب. يكتبون عند الفجر وطيلة النهار ثم ينامون مبكرين ليصحوا في الفجر التالي ويعاودوا الكتابة..
أعرف واحدا منهم جيدا, يملك العدد نفسه لسنوات عمري (ثلاثيني) ولكنه يملك أيضا أكثر من خمس وعشرين كتابا.
لايعرف صديقي هذا الكسل أبدا, ولا يجد وقتا للراحة, لا يستمع إلى نشرات الأخبار ولا إلى الموسيقا,ولا يقرأ ما يكتبه الآخرون.. إنه مشغول.. إنه يكتب.
غير إنني لا أحسده على نشاطه النملي الدؤوب, إذ كيف أثق بما يكتبه رجل لا يجيد الاسترخاء الكسول وتأمل العالم من حوله, ولا يقف بشرود خلف النافذة لينظر إلى الحياة في الخارج, ولا يعطي لنفسه الوقت الكافي من أجل ارتشاف فنجان القهوة الصباحي, أو من أجل قراءة لكتاب ممتع, ولا يملك ذلك الفضول المبارك, ولا تلك الرغبة النبيلة في الفرجة اللامبالية على حيوات الآخرين.. باختصار: كيف أثق بكاتب لا يأخذ الوقت الضروري لإنضاج انطباعاته عن الحياة التي يؤلف الكتب عنها..?1
هل تتذكرون حكاية النملة والصرصور..? عندما يأتي الشتاء ينتصر منطق النملة النشيطة, فيما يخسر الصرصور الكسول ويكاد يأكل قرون استشعاره ندما, لا أعرف من كان أول الذين رأوا ضرورة تغيير هذه النهاية الزائفة, مطالبا بإنصاف الصرصور, على اعتبار انه يملك روح شاعر.. شاعر ينظر إلى الحياة على انها تجربة وجودية ممتعة تستحق التأمل الهادئ, وهبة عظيمة نعيشها ملء ارواحنا , وليست فقط فرصة من أجل جمع الحبوب.
اعتقد, من جهتي, أن النملة لو كانت كاتبة لأصدرت ثلاثين رواية بلا قيمة أو أربعين مجموعة شعرية بلا طعم, أو ربما كانت كاتبة قصص قصيرة جدا على الطريقة المحلية. ولو كان الصرصور كاتبا لأصدر كتابا عظيما واحدا, ربما رواية تشبه (بيدرو بارامو) رائعة خوان رولغو اليتيمة..