ويبدو أن الإدارة الأمريكية في مأزق حقيقي داخلي وخارجي, سواء على صعيد الحرب المفتوحة على احتمالات غير متوقعة لتفضي إلى نتائج غير محسوبة وخصوصاً في زمن الاستحقاق الانتخابي, الذي سيتوقف على نتائجه الكثير من العبر والدروس والنتائج مهما كانت المحصلة, أم على صعيد التسابق إلى سدة الرئاسة والتبعات الملقاة على عاتق من سيمتطي جواد البيت الأبيض وإلى أين يريد الاتجاه به..
ومن متابعات التنظير الانتخابي والتسابق المحموم بين المرشّحين الديمقراطي جون كيري, والجمهوري الحاكم جورج بوش, نكتشف واحدة من أخطر المخاطر وهي أن الإدارة الراهنة والإدارة المرشّحة لم تفهم أي منهما الأسباب الحقيقية ولا لامستا دوافع الإرهاب الجاري محاربته بكل وسائل وطاقة وإمكانات دافع الضريبة الأمريكي, وبكل أطماع وطموحات اللوبي الصهيوني والمستفيد الإسرائيلي, وبالتالي فإن السوء في الفهم يقود إلى فشل في الأسلوب والممارسة معاً, كما يلاحظ المتابعون أن قصور الفهم هذا لم يقتصر على الإرهاب وأسبابه ودوافعه والمستفيد منه فحسب, وإنما طال القصور معظم الأزمات المتفجرة في العالم, أو أن فهمها كان مغلوطاً ومقلوباً عبر تفسيرات صهيونية مارستها إسرائيل, أو تفسيرات ايديولوجية مارسها المحافظون الجدد لمصلحة إسرائيل من قبل ومن بعد.
وفي الحالتين لابد وأن يسأل الناخب ودافع الضريبة الأمريكي ومعه العالم كله.. ترى إلى أين يقطرون الولايات المتحدة الأمريكية وأية أهداف سيحققون ما دامت صورة الدولة المتحضرة قد تهشّمت وأصبحت مبادئها مقرونة بخطر الموت, وأهدافها مقرونة بأدبيات الاحتلال.. والاستغلال.. والرعب.
وأي مستقبل ينتظر العالم ما دامت الإدارات المتلاحقة تتنافس خططها على كيفية فرض الهيمنة والسيطرة على الكرة الأرضية بدولها ومواطنيها ومستقبلها كله, وخصوصاً بعد الشروع بإنجاز مشروع (الرادار الفضائي) الذي تم التعاقد عليه والذي سيكلف عشرات المليارات من الدولارات, بهدف إقامة منظومة فضائية من عشرات الأقمار الصناعية للأغراض العسكرية والاستخباراتية لإحكام السيطرة على الأرض ومن عليها عبر الفضاء الخارجي.
ومع ذلك كله فإن القوات الأمريكية تواجه المأزق سواء في العراق أم في أفغانستان وإن الحرب الواسعة التي شنها بوش على الإرهاب طيلة السنوات الثلاث الماضية والانتصارات المزعومة ما زالت تدفع الرئيس الأمريكي إلى القول عشية الانتخابات, بأن الأمريكيين ليسوا في أمان بعدُ. بما يعني أن الحرب الفعلية بدأت بعد سقوط بغداد, وأن زهو إسقاط بغداد كان زهواً مزيفاً.
فأين يكمن الأمان إذاً? وكيف يمكن للفضاء أن يتحكم بالأرض وبالمدن وبزواريب النجف وكربلاء والبصرة, والمدن الأفغانية? أليس الأمان يكمن في الاعتراف بالهزيمة والانسحاب من العراق, والعودة إلى هيئة الأمم المتحدة وميثاقها, وكذلك العودة إلى قيم ومبادئ ودستور الولايات المتحدة الذي اخترقه المحافظون الجدد, وشوّهت إسرائيل تطبيقاته الكونية بما يخدم أطماعها التوسعية وشهواتها العدوانية?
فأي الاحتمالين أجدى وأنفع وأسلم? الاعتراف بالخطأ واستدراك ما تبقى من هيبة الولايات المتحدة وتحقيق مصالح الأجيال الأمريكية القادمة عبر إقرار السلام على الأرض, أم المكابرة وعسكرة الفضاء وتهديد الأرض وتحقيق مصالح حفنة من المحافظين الجدد وتعريض مستقبل الأجيال الأمريكية للخطر.
هنا يكمن التسابق الحقيقي إلى البيت الأبيض الأمريكي, الذي لم يُبق بياضاً في السياسات الأمريكية إلا في اسم البيت الذي به يقيمون وعليه يتصارعون.