وحقيقة لا ندري, كيف أن شركات صناعية عامة تطرح للاستثمار الخاص, في وقت يتنامى فيه الحديث من جانب أكثر من مسؤول في الحكومة, على أن الخصخصة هي بمثابة خط أحمر لا يجوز تجاوزه أو الاقتراب منه... وقد يقول البعض: ولكن مفهوم الاستثمار الذي يسوق له يومياً وبكثافة في وسائل الإعلام لا يمت بصلة للأول, وإذا كان هذا البعض جاداً في الأخذ بمثل هذا الاعتقاد, فإن الأمر بهذه الحالة (مصيبة)!. ذلك أن الاقتصاديين في الشرق والغرب, ومعهم البنك الدولي, وأيضاً النظريات الاقتصادية التي تغرد في سماء اقتصاد السوق. الجميع يؤكدون أن فصل إدارة أي منشأة اقتصادية عن مالكيها الحقيقيين هو شكل من أشكال (الخصخصة). وما يقصد في ذلك أن التحول باتجاه (الخصخصة) قد يبدأ من الاستثمار وينتهي عند حدود بيع أصول وموجودات الشركة, بدءاً من وسائل الإنتاج وليس انتهاء بالعقار الذي تتكون منه المنشأة, أي أن الوصول إلى الخصخصة هو أمر حتمي ومرهون بعامل الزمن لا أكثر ولا أقل.
ومع أن قطار استثمار بعض الشركات قد أقلع من المحطة الأولى, ولم تعد تجدي أية محاولات من شأنها إقناع الحكومة للتراجع عن هذا الخيار, فهناك أسئلة مشروعة يتعين إطلاقها للرأي العام والحكومة, بهدف إشباعها بالإجابات والاجتهادات..
أولاً: إذا كان الاستثمار الخاص يمثل خياراً سهلاً لإنقاذ بعض الشركات من فواتير الخسائر المتلاحقة.. فأين هي الجهود المبذولة لإعادة هيكلة القطاع العام الصناعي?!..
ثانياً: هل استنفذت وزارة الصناعة كافة الخيارات لإنقاذ هذه الشركات.. وماهي هذه الخيارات التي لجأت إليها وفشلت?!..
ثالثاً: هل طرح الشركات الخاسرة للاستثمار الخاص سيؤدي فعلياً إلى ضمان خروجها من ميدان الخسارة وضمان حقوق العاملين فيها?!.
رابعاً: إذا كانت وصفة الاستثمار الخاص تشكل ملاذاً -كما هو واضح- فماذا بقي لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي نتباهى به في الاجتماعات الرسمية?.. والأهم من كل هذه الأسئلة.. لماذا لم تطرح شروط استثمار الشركات العامة في وسائل الإعلام كي تلقى نصيبها في الجدل والنقاش من جانب المهتمين.. أليست هذه الشركات أملاك عامة?.1
الإجابة على هذه الأسئلة ليست موضوع زاوية عابرة.. ولكن يكفي وبهذه العجالة التذكير بقول أطلقه المفكر روجيه غارودي قبل سنوات ومفاده:(أنه من المتعذر أن يكون القطاع الخاص الترياق الشافي للاقتصاد الفرنسي أو لأي اقتصاد على ساحة العالم),... تخيلوا أن هذا المفكر أطلق قوله بعد أن أقرت الحكومة الفرنسية في أواسط الثمانينات من القرن الماضي, أنها أخطأت حين عرضت بعض شركاتها العامة للخصخصة, .. واليوم نحن نعرض بعض شركاتنا الهامة للاستثمار, وفي وقت تشير فيه الدراسات أن القطاع الخاص في بلدنا بحاجة إلى إعادة تأهيل, ويواجه مشكلات إدارية وتقنية تفوق في تفاصيلها ومساحتها كثير من المعوقات التي تحيط ببعض الشركات العامة.
..ببساطة شديدة, إن عدم محاولة وزارة الصناعة بذل الجهود من أجل إعادة تأهيل شركاتها الخاسرة وإحاطتها بشروط إدارية صحيحة والتمترس وراء خيار الاستثمار, هو بمثابة اعتراف أكثر من صريح في وصولها إلى العجز الكلي وفقدانها بوصلة العمل الصحيح!.