ومهما تكن المبررات لهذا الحدث والتي تمحورت حسب تصريح للناطق باسم وزارة الخارجية (ادم ايرلي) برغبة باول تفادي تكرار ما حدث في مؤتمر الأقليات الصحافية, وعدم الدخول مع الديمقراطيين في حوار حول الأحداث الدولية وخاصة في العراق ,فإن عزوف باول عن حضور هذا المؤتمر له دلالاته السياسية وتأثيراته على المديين القصير والبعيد.
فباول الذي كثرت الأخبار عن نيته في الاستقالة وخلافه مع اقطاب إدارة بوش وخاصة الصقور من بينهم أمثال تشيني ورامسفيلد بعد تداعيات الحرب في العراق والإخفاق المتزايد للقوات الأميركية وكثرة فضائح الشركات المتعاملة معها ,والتي تربطها صلات مع هذه القوى, يضع بقراره هذا الانتخابات الأميركية على نار حامية جداً ويؤكد حقيقة الأنباء السابقة حول اتسام إدارة بوش بعدم الانسجام إزاء العديد من الملفات الدولية وعلى رأسها الحرب على العراق ,كما يكشف بشكل غير مباشر عن تحكم المحافظين الجدد المسيطرين على مفاصل اساسية ومحورية في إدارة بوش بسلطة القرار والتأثير على البيت الأبيض خلافاً للبروتوكولات المتبعة في اتخاذ القرارات وخاصة المتعلقة بالشؤون الخارجية ,حيث عبر باول أكثر من مرة عن غضبه وامتعاضه من تدخل (الصقور) في عمل وزارته ولم يتوان في اتهام البعض منهم بالمسؤولية عن الإخفاق في معالجة بعض القضايا الدولية.
إذ أبرز دلالة يمكن استنتاجها من تبريرات وزارة الخارجية لعدم حضور باول مؤتمر الحزب الجمهوري القادم, تتجلى في عدم قناعته بفائدة الاستمرار بالدفاع عن إدارة بوش وصقورها ولاسيما في ظل اعتبار أحد المصادر بأن باول قرر الانسحاب المبكر من المشاركة في ولاية ثانية في حال فوز بوش.
فالعراق كأبرز موضوع ساخن في الانتخابات الأميركية, كان يعول عليه بوش الفوز بولاية ثانية ,أصبح كابوساً لفريقه بعد تفاقم مأزق القوات الأميركية واستمرار تدهور الأوضاع الأمنية فيه, وفي الحرب على الإرهاب, لم يكن وضع هذه الإدارة بأحسن حالاً من العراق ولاسيما مع استمرار التهديدات الإرهابية, وتحول الولايات المتحدة إلى دولة منبوذة في العالم من قبل الأوروبيين قبل غيرهم بسبب سياسة هذه الإدارة في هذا الشأن.
انسحاب باول من الدفاع عن إدارة بوش وسياساتها جاء سابقاً لأوانه وفي مرحلة دقيقة وحساسة ولكن له مبرراته الكثيرة.
واختيار باول مؤتمر الحزب الجمهوري للإعلان عن هذا الموقف من المستبعد تصنيفه في السياق العادي والأيام القادمة ربما تحمل مفاجآت جديدة تتكشف خلالها أسرار وخفايا السياسة الأميركية على الصعيد الدولي.