الكامنة وراء إثارة ودفع ما يجري في الجنوب السوداني إلى الواجهة, والتركيز الغربي والأميركي بخاصة على الأحداث وتضخيمها على النحو الحاصل, وحول ماهية ودور الأمم المتحدة ومؤسساتها والتي يجهد للزج بها واستخدامها كمظلة لمعاقبة الخرطوم والتدخل السافر في الشأن الداخلي والسيادي لها,كمقدمة لزعزعة الاستقرار والتغلغل في القرن الأفريقي, لاسيما وأن المنظمة الدولية تواجه في هذه المنطقة وأنحاء مختلفة من العالم, أزمات وأحداثاً أكثر سخونة وتأثيراً وتهديداً لمستقبل الأمن والسلام الدوليين لا تزال تقف عاجزة إزاءها وقاصرة عن إيجاد الحلول لها..?!
وخلافاً للتصريحات والعناوين العريضة المسوقة على سبيل المناورة والتضليل والتغطية يمكن الجزم: إن الدوافع الإنسانية والتهدئة أبعد ما تكون عن التحرك والاهتمام الأميركي المفاجىء والمشوه, بالوضع المضطرب في هذا الإقليم الذي يعاني نزاعات قبلية وانفصالية مسلحة, تقف وراءها وتغذيها إسرائيل وبعض القوى الغربية في سياق مخطط بدا أنه صراع على النفوذ والسيطرة على هذه المنطقة والجزء الغني بالنفط والثروات المعدنية الأخرى والموارد الطبيعية, والتأكيد أن هناك أهدافاً ومطامع أخرى تبدأ بمشاغلة وإلهاء العالم عن الفظاعات وحروب القتل والتدمير الجارية ضد الشعبين العراقي والفلسطيني ولا تتوقف عند الأطماع الكونية وأحلام السيطرة الاستعمارية والتحكم بمصير العالم وثرواته.
ولقد كانت بعثة الاتحاد الأوروبي ومن خلال التقرير الذي أعدته قبل أيام عن الوضع في دارفور, ونفت فيه وجود مذابح عرقية في الإقليم صريحة وواضحة في كشف وفضح حملات الكذب والتضليل التي مورست رسمياً وجرى تعمد تضخيمها من قبل وسائل الإعلام الغربية والأميركية منها بخاصة, والتي كانت وراء استصدار قرار مجلس الأمن الأخير, والذي أعطى الحكومة السودانية مهلة شهر لمعالجة الوضع في الإقليم ونزع سلاح ميليشيا الجنجويد الموالية لها دون سائر الميليشيات الأخرى.
أليست مفارقة كبرى محزنة ومستهجنة أن نشهد هذا الحماس والاندفاع للمجتمع الدولي, وتحت وطأة ضغوط وابتزاز قوى معروفة ومتنفذة, في اتجاه تشريع وإباحة التدخل في قضية وشأن داخلي لدولة عضو في الأمم المتحدة, ومنح واشنطن الغطاء القانوني لدور تخريبي آخر لا يستهدف أمن السودان واستقراره واستقلاله ووحدة أرضه وشعبه فحسب, وإنما يستهدف عروبته وجواره الأفريقي, وصرف الأنظار عن مأزق السياسة الأميركية والصهيونية, بينما يتم السكوت وإغفال الجريمة والمذبحة الكبرى الحاصلة على الساحتين العراقية والفلسطينية باسم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان, وتناسي أن هناك مسؤولية ودوراً للأسرة الدولية ينبغي الاضطلاع بهما, لوضع حد لمأساة هذه المنطقة وإيجاد حل عادل وشامل للصراع العربي- الإسرائيلي يستند إلى مرجعية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وتبقى المنطقة المحك للمصداقية ولحيادية وتوازن التعاطي الدولي مع قضاياها وشؤونها, والميدان العملي لإثبات أن هناك مكيالاً واحداً لا ازدواجية في المعايير والتعامل, وقانوناً واحداً يحكم ويظلل الجميع لا استثناء فيه ولا مجاملة.
يتوخى جانب الحق والعدل والمساواة وصيانة واحترام حريات الشعوب وإرادتها واستقلالها تلك التي لا يمكن لها أبداً أن تلتقي أو تتعايش مع الظلم والقهر والاحتلال, أو مع أي شكل من أشكال التدخل ومحاولات الاحتواء والإلغاء الممهورة حصراً اليوم بأختام المشروعين الأميركي- الصهيوني وصناعتهما.