والأكثر من ذلك, أن يتركز جهد البعض على اختصار القضية في ذلك المشهد رغم كثافة الدلالة, فيما البعض الآخر يريدها ذريعة لمزيد من العدوان لإنتاج قتل أكثر ودم أكثر, وتعميق للجراح أكبر.
لا أحد يستطيع أن ينكر أن ما يجري مجرد عينة من نتاج الاحتلال, ورمز يراد منه التهديد بتحولات أشد كارثية.
ولكن ذلك لا يمكن أن يخفي الحقائق الكامنة في الموقف القائم, ولا في تطوراته المتسارعة, حيث المقاومة تلتصق بالواقع السياسي, وتمتزج فيه وتتداخل معه توازياً أو تقاطعاً, وتعبر عن إرهاصاته تم قبول بذلك أم لم يتم.
وهذه المقاومة تطور نفسها وأساليبها وفقاً لمعطيات ذلك الواقع, بل وتتعاطى بكثير من الكفاءة مع متطلبات المرحلة, ولذلك كان العدوان السافر الذي شهدته النجف جزءاً من حركة التفافية, اتضحت فيها أبعاد المأزق الذي تواجهه قوات الاحتلال واستفحال الأزمات التي يتعرض لها.
وإذا كان النقاش الدائر حول تطورات الوضع العراقي يفتقد الوضوح في اتجاهاته, فإن الإدانة والقلق لم تعد هي الحل, كما أنها ليست الوسيلة الناجعة لوقف تداعيات المشهد باعتباراته المختلفة, خصوصاً أن الغضب الشعبي قد دخل مرحلة تحول لا يمكن تجاهلها.
من هنا لابد من قراءة مختلفة لذلك المشهد, ولا بد من إعادة النظر في الكثير من المعطيات القائمة على ضوء النتائج التي أفرزتها الاعتداءات الأميركية الأخيرة في النجف وغيرها.
ولعل التبدلات الحاصلة في المواقف تعكس تلك الحاجة, بل وتشير إليها بكثير من الوضوح, ورغم المحاولات الرامية إلى تكريس مقولات ساذجة لم تعد مقنعة لأحد, فإن ما يجري يكفي للتوقف قليلاً, لكنه يدعو إلى العمل والتحرك كثيراً.
فالتجارب التي لا تزال ماثلة للعيان في أكثر من موقع تنحو بذلك الاتجاه, وتدفع بإلحاح إلى تجاوز حالات التردد, خصوصاً أن المقاومة تسجل حضورها حتى داخل قوات الحرس الوطني العراقية التي أعلنت بعض تشكيلاتها رفضها لما يجري من عدوان على الشعب العراقي.
كل هذا ألا يدفع إلى الحديث بأفق مختلف وبتعابير مختلفة? ثم ألا يشير إلى حقائق يراد لها أن تحتضر أو تغيب?!
بالتأكيد ما يجري هو حلقة أخرى تحتاج للتدقيق وللتمعن, مثلما تحتاج إلى تسريع في المواقف لتكون على مستوى ما يجري, ولمواجهة التطوير الخطير في العدوان وأدواته ووسائله.