تغييرا فجائيا وعلى طريقة الصدمة في مفاهيم العمل وتوضعاتها في الذهن العام, فذلك يعني تلقائيا الاتصال بالوعي العام واستدعاء المخازين المعرفية والثقافية وموروثاتها في أذهان العاملين وتحكيمها فيما يجوز وما لايجوز, ويمكنكم هنا تقدير صعوبة إحداث التغييرات عند هذا المستوى?
هل يشكل الرأي العام وأحاديث الناس, مع ما يتداخل معها من نوازع شخصية وأهواء فردية وانتماءات متفاوتة ومتناقضة أحيانا, مقياسا, أو بمعنى أدق, بوصلة في الحكم على القرارات والبلاغات, سواء أصدرتها الحكومة, أم الوزارات أم المؤسسات التابعة لها??
إذا كان هذا صحيحا, فذلك يعني, ضمنا أو علانية, اعترافنا سلفا بأن لدينا رأيا عاما صحيحا وصائبا, حياديا ونزيها, لايذهب مذهب النوازع والأهواء, وقادرا على التمييز الدقيق بين الصح والخطأ, وبين الصالح العام والصالح الفردي, بل, ويعرف الفارق بين التقدم والتراجع والسبل المؤدية إلى كل منهما!!
بالطبع, لايمكن أن يكون ذلك صحيحا, وإلا فكيف نفسر ما نحن فيه من حالات التخلف والفساد, ومن حالات ضآلة الإنتاج وترديه وسوء الإدارة والتخطيط والالتزام, وغيرها??
لاتستطيع أية إدارة, سواء أكانت حكومة أم وزيرا, أم مديرا عاما أم حتى رئيس قسم أو دائرة, أن تعطل الإنتاج والعمل, ولو شاءت, إذا كان وعي العاملين صقيلا متبلورا, وضميرهم العام ووجدانهم الجمعي سليمين معافيين, يدركان ضرورات الالتزام بالعمل واستحقاقاته وينحوان نحواً نزيها حياديا فيما يتصل بالعمل وواجباته.
الحضارة مقولة كلية, والتخلف أيضا مقولة كلية, والبدء من هذا الاعتراف, هو الخطوة الأولى في تصحيح العلاقة بين العامل وإدارته, بين وجدانه العام وقراراتها وبلاغاتها!!
والإعلام في هذه العلاقة, ورغم أنه جزء من مكوناتها ونتائجها, شأنه شأن أي قطاع آخر, هو البوصلة التي ينبغي أن تحدد الاتجاهات الصائبة لهذه العلاقة والتفاعل الحتمي بين طرفيها.. المواطن العامل والدولة القرار.
وهو الذي ينبغي له, من خلال مؤسساته والعاملين فيها أولا, أن يهيىء التربة الخصبة للتفاعل البناء بين المواطن العامل والدولة, بين الرأي العام والقرار, بالارتقاء بالوعي العام, وغربلة المخازين المعرفية من شائباتها وموروثاتها في الذهن المجتمعي, وبتشذيب وجدان الناس وبلورته لناحية استجاباته لمفاهيم العمل والواجب والالتزام.
هنا موقعنا كإعلاميين, أن نقلل كم الخيارات لدى الرأي العام ونحسن نوعها, وأن نعمم المبادرة والالتزام لا أن نخصصهما بمسؤول أو مدير أو وزير فقد أسقطت الحضارة موروثنا الشعبي عن الفرس والفارس, والفرس اليوم هي مجموع نوعي وكمي لإرادات عاقلة.. هي نحن!!