تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر

Attr

الاثنين 16/8/2004
محمد خير الجمالي
من طبائع الغزو الأجنبي لأي بلد أنه يمارس سياسة الهروب الى الأمام باستخدام أقسى أساليب القمع والترويض والضرب بوحشية وهمجية كلما اشتدت المقاومة الوطنية ضده, وهو بهذه السياسة لايرعى حرمة ,ولا يضع حدوداً لانتهاك مقدسات الشعب الخاضع للاحتلال وحقوقه الإنسانية,فالمهم عنده هو قتل روح المقاومة لدى الشعب المقاوم من أجل الانتقام منه على مقاومته وإخضاعه بقوة السلاح لسيطرته.

والاحتلال الأميركي, رغم حداثة عهده بالغزو وانعدام خبراته في هذا المجال الى الحد الذي يتهم فيه بالجهل والغباء وانعدام الحكمة وعدم فهم طبيعة الشعب العراقي, لم يكن استثناء عن هذه القاعدة التي تحكم سلوك الغزاة في تعامله مع تطورات الوضع في العراق, وما حدث في النجف أخيراً وقبله في الفلوجة والبصرة والسماوة وسامراء والعمارة وبغداد وبعقوبة يعطي أنموذجاً عن هذه السياسة التي تفتقد لأي منطق سوى منطق الحديد والنار رغم ثبوت عقمه على مر التاريخ واضطرار الغازي المحتل الى الانسحاب مرغما من كل بلد احتله في النهاية. ‏

ضرب النجف بالصورة الهمجية التي تواترت انباؤها ووقائعها على شاشات التلفزة وراح ضحيته المئات ونزوح الآلاف عن المدينة المنكوبة,لم يكن عملاً منفصلاً استهدف فئة معينة من الشعب العراقي بحجة ضبط الوضع الأمني في العراق كما يروج المحتلون ودعاتهم, بل كان حلقة في سلسلة متصلة من مخطط مرسوم يستهدف إنجاز مسألتين ضاغطتين على الاحتلال : الأولى هي التعويض عن الفشل السياسي والمعنوي والعسكري الذي انتهى إليه غزو العراق وكل الاهداف المادية والسياسية المبنية عليه, والثانية هي وقف المد المقاوم الذي بات يشكل قاعدة التعامل الأساسية لمختلف فئات الشعب العراقي مع المحتل الاجنبي وبخاصة منه القوة الاميركية بوصفها القوة الأكبر في هذا الغزو ,والطرف الذي يحتل موقع الزعامة فيه ويماطل في الاستجابة لرغبات الأغلبية الساحقة من الشعب العراقي بإنهاء الاحتلال واستعادة السيادة التامة. ‏

وأبعد من هذا يمكن القول إن الهجوم الواسع على النجف يدخل في عمق معركة انتخابات الرئاسة الاميركية, لجهة الظن أن إحكام ضبط الوضع في العراق والتمكن من السيطرة عليه, من شأنه أن يتحول الى ورقة رابحة في يد الرئيس بوش يمكنه الادعاء في ظلها بشيء من النجاح في العراق بعد أن تحول فشل سياسته هناك الى ورقة ضغط بيد الديمقراطيين أفقدته الكثير من شعبيته وباتت تشير الى احتمال فوز منافسه كيري في حال بقاء الوضع على حاله بين تزايد حدة المقاومة وارتفاع نسبة الخسائر في صفوف القوات الأميركية. ‏

لكن السؤال هنا: هل حقق الاحتلال الاميركي اياً من هذه الأهداف بسياسة الهروب الى الأمام..? لاشيء تحقق من هذه الأهداف, بل العكس من ذلك هو ماتحقق,إذ تأكدت حقيقة أن الاحتلال الاميركي همجي مثل أي احتلال آخر, وأن غزوه للعراق لم يكن من أجل تحريره ونشر الديمقراطية فيه,بل كان من أجل إخضاعه للسيطرة المباشرة ونهب ثرواته النفطية وتحويله الى منطلق تهديد وتغيير للمنطقة وأوضاعها بما يخدم المصالح الأميركية والأطماع الصهيونية فيها, وأن النتائج الدموية لضرب النجف تزيد في الإساءة لسمعة السياسة الأميركية وكراهية العرب والعالم لها ويقدمها على أنها سياسة تنتهك مبادىء القانون الدولي وتفتقر الى أي بعد إنساني يضفي عليها طابع القيم والاخلاق ويكسبها المصداقية. ‏

والاستنتاج المنطقي لهذا كله هو أن كل تصعيد من هذا القبيل يستهوي إدارة الاحتلال في واشنطن, يشكل في نتائجه ومحصلته خطأ يضاف الى رصيدها المتراكم من أخطاء حربها على العراق, ما يجعل المخرج المتاح من هذه السياسة الخاطئة يكمن فقط في الانسحاب العاجل من العراق والاعتراف بأن غزوه كان خطأ استراتيجياً كبيراً تدفع أميركا ثمنا ً باهظاً له ليس أقله الانهيار الأخلاقي لسمعة سياستها, وتحولها الى قوة احتلال,وافتقادها لثقة العالم بها. ‏

 

 محمد خير الجمالي
محمد خير الجمالي

القراءات: 30384
القراءات: 30392
القراءات: 30386
القراءات: 30389
القراءات: 30387
القراءات: 30388
القراءات: 30384
القراءات: 30392
القراءات: 30388
القراءات: 30385
القراءات: 30386
القراءات: 30387
القراءات: 30390
القراءات: 30387
القراءات: 30386
القراءات: 30391
القراءات: 30387
القراءات: 30387
القراءات: 30391
القراءات: 30389
القراءات: 30389
القراءات: 30389
القراءات: 30385
القراءات: 30392
القراءات: 30387
القراءات: 30387
القراءات: 30393
القراءات: 30389
القراءات: 30388
القراءات: 30386
القراءات: 30382
القراءات: 30389
القراءات: 30387
القراءات: 30387
القراءات: 30388
القراءات: 30390
القراءات: 30390
القراءات: 30385
القراءات: 30383
القراءات: 30382
القراءات: 30384
القراءات: 30389
القراءات: 30385
القراءات: 30391
القراءات: 30386
القراءات: 30391
القراءات: 30390
القراءات: 30387

 

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية