ففي الرسالة التي تلقى نادي الأسير الفلسطيني نسخة منها قال الأسرى : إن السبل قد ضاقت بهم وبلغ القهر درجة لا تحتمله أجسادهم ولا كراماتهم مؤكدين أنهم عزموا على خوض معركتهم مع الاحتلال واقفين دون ركوع ضد حياة الذل والقهر والقمع والقتل البطيء الذي يواجهونه وصولا إلى الشهادة أو تحقيق مطالبهم المشروعة .
صحيح أن قضية الأسرى والمعتقلين داخل سجون الاحتلال لم تكن يوما خارج دائرة الاهتمام, لكن الصحيح أيضا أنها لم تكن حاضرة - كما يجب أن تكون- بين الأولويات السياسية الفلسطينية , العربية والدولية, مع أن العديد من الجهات العربية التي تدعي العمل الناشط في مجال حقوق الإنسان, والكثير من الجهات الدولية التي ترفع شعارات الحرية وحقوق الإنسان, تقيم الدنيا ولا تقعدها وتملأ العالم ضجيجا لمجرد اعتقال شخصا هنا أو هناك بدعوى حرصها على الحرية وحقوق الإنسان , فيما تمارس صمتا مخزيا تجاه الممارسات الإسرائيلية والأميركية بحق آلاف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعراقيين .
التقارير والصور التي كان جرى نشرها قبل أكثر من ثلاثة أشهر, وشكلت فضيحة أخلاقية وقانونية وإنسانية كبرى للإدارة الأميركية , وأحرجتها أمام العالم , هي حالة مستشرية وجزء من ممارسات مستديمة تقوم بها السلطات الإسرائيلية داخل سجونها, حيث يؤكد نادي الأسير ومنظمات إنسانية تعنى بشؤون الأسرى أن المعتقلين الفلسطينيين يتعرضون للتفتيش العاري والمذل , وبشكل جماعي وبصور وأوضاع مخزية يندى لها جبين البشرية, كما يتعرضون للايذاء والضرب والعنف من قبل وحدات مختصة.
وإن التهديد الإسرائيلي الذي جاء على لسان الوزير (تساحي هانغبي) بعدم تلبية مطالب الأسرى واتخاذ إجراءات عقابية قاسية بحقهم تؤكد مجدداً عدم اكتراث إسرائيل بالقوانين الدولية من جهة, وتؤكد من الجهة الأخرى ضرورة قيام الحكومات والإعلام العربي بحمل قضية الأسرى - كقضية وطنية وإنسانية وقانونية - إلى المؤسسات الدولية المختصة وإلى الرأي العام العالمي, والتركيز عليها وإعطائها الاهتمام اللازم باعتبارها قضية لا تقل أهمية عن قضايا الأرض والقدس واللاجئين وحق العودة, ذلك أنها تعتمل في داخلها الجوانب الوطنية والقانونية والإنسانية مجتمعة.
وإذا كانت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تحاول من خلال وسائلها الإعلامية والدعائية تشويه الحقائق وتزوير واقع السجون وأوضاع الأسرى الفلسطينيين المأساوية, فإن مواجهة محاولاتها التضليلية لا يحتاج إلى جهود خارقة ولا إلى إبداعات خلاقة, ذلك أن لغة الأرقام وحدها كافية لدحض مزاعم وأضاليل الاحتلال.
فمن بين نحو ثمانية آلاف معتقل فلسطيني هناك 2500 حالة اعتقال لأطفال وشبان فلسطينيين قاصرين تعرضوا لكل أنواع التعذيب النفسي والجسدي, فيما تجاوز عدد النساء 300 أسيرة, بينما تفيد تقارير متعددة عن استشهاد أكثر من 160 معتقلاً تحت التعذيب داخل هذه السجون, ويكاد لا ينقضي يوماً دون إعلان إسرائيل نفسها عن اعتقال العشرات من الشبان الفلسطينيين داخل أراضي ومناطق ومخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة, فهل تحظى هذه القضية بالاهتمام العربي والدولي, وقبلهما باهتمام السلطة الفلسطينية التي تواصل- بلا هدف - عقد الاجتماعات الأمنية مع الجانب الإسرائيلي.?!