والحقيقة التي تمحورت النقاشات حولها تمثلت في رثاء القطاع العام الذي ارتقى بمواقع ومعارف ودراسات وتحصيل جميع أبناء شعبنا خلال عدة عقود, لكن نصيبه من الذين تلذذوا بنعيمه لم تكن في الغالب سوى النكران والجحود.
ويمكن لنا هنا أن نقبل مطالبات ذوي الأصول والمنطلقات البورجوازية, وسليلي الطبقات الارستقراطية بضرورة البحث عن الحلول الناجعة لجميع مشكلاتنا الاقتصادية والخدميةوالتنموية عموما لدى القطاع الخاص .
لكننا لا يمكن أن نقبل مثل هذه الطروحات من المستفيدين من القطاع العام الذين ارتقوا مواقع المسؤولية, وتحولوا الى أبناء عاقين لأصولهم وراعيهم الذي صاغ قوانين ضمنت لهم التمتع بالانتساب الى الجامعات والكليات المختلفة, والسفر ايفادا الى خارج البلاد, للاطلاع على علوم الدول الصديقة, والاستفادة من تجاربهم , وتطويعها لتغدو ملائمة لواقعنا, لكنهم عادوا بعدها متنكرين للنظام الذي ضمن لهم مستقبلا مكنهم من الوصول الى المراتب العليا حيث أصبحوا صانعي قرارات وراسمي خطط ومشروعات, وهنا كانت عقدة المواجهة, والصراع ما بين الانتماء الى الاصول والمحافظة على ممتلكات القطاع العام وتطويره وتنمية أساليب إدارته وآليات تنظيمه, أو الانتماء الى الغربة والاقبال على الأفكار المستوردة, وتطبيق الحلول والوصفات الأجنبية بغض النظر عن التأثيرات المستقبلية لتلك الحلول والمقترحات.
النقطة التي ركز عليها جميع المتحاورين كانت حول الكوادر الادارية التي تسيىء الى سمعة القطاع العام, من دون أن تطالها يد المحاسبة, خلال ممارسة مسؤولياتها أو بعد انتهائها.
فالعامل البشري محور ومحرك وغاية العملية التنموية, وهو القادر على الارتقاء بها إلى أعلى المستويات, أو الانحدار بها الى أسوأ درك متخلف يدفع المواطنين للابتعاد عن القطاع العام, ويعزز القناعات المضادة لديهم, والبحث عن الحلول في سراب الأوهام الخادعة.
وبغض النظر عن الدور الذي ينبغي للقطاع الخاص أن يلعبه, فإن القطاع العام سيبقى الخلاص الأكيد للسواد الأعظم من أبناء شعبنا الذين حماهم القطاع العام من الفقر والحاجة في ظروف كانت في أحلك المراحل التاريخية الضاغطة , التي استهدفت كياننا, أرضا , ووجودا..