خطوة الألف ميل حققت ثمارها المرجوة, وسجلت في سفر العلاقات السورية -الصينية نقلة نوعية جديدة ,قد لا يستطيع الإعلامي المتابع إدراك أبعادها إلا بعد حين ,وبين الحين والحين يخطو الرئيس بشار الأسد خطوات اخرى على مختلف الصعد, وباتجاه العديد من الأصدقاء في العالم, شعوباً وحكومات وقادة..
فالزيارة حدث بحق.. وتاريخية بحق, وقد افسحت في المجال أمام الجانبين السوري والصيني لاستعراض الوضع الدولي المتوتر, والاقليمي الساخن, والوضع في منطقة الشرق الأوسط تحديداً, وتبادل الرأي إزاء هذه الموضوعات, والاطلاع عن كثب على رؤية الصين لما يجري ,وموقفها منه, واسهاماتها في تخفيف حدة التوتر في العالم, بما تمتلك من ثقل سياسي واقتصادي وعسكري ودبلوماسي أيضاً..
والزيارة مهمة بأهمية البلدين, وأهمية الموضوعات التي نوقشت خلال المحادثات, وأهمية ما يعلق الجانبان على نتائجها, وهي تشكل محطة مهمة في مسيرة العلاقات بين البلدين, وترفد الرؤية السورية, والموقف السوري بعناصر جديدة من القوة ,التي تستمدها سورية من الاصدقاء على الساحة الدولية, ومنهم قيادة وشعب الصين الصديق.
ولعل من أبرز القواسم المشتركة بين الصين وسورية, والشعبين في البلدين الصديقين هذا التراكم الحضاري الهائل عبر القرون, والتواصل المستمر منذ أكثر من ألف عام, حين كان طريق الحرير يربط بين البلدين بعلاقات اقتصادية, أسست لعلاقات المنطقة بالصين وبالعكس, وكرّست التبادل المعرفي والتجاري والإنساني المستمد إنسانيته من عراقة الحضارتين وتفاعلهما الحي والإيجابي..
وما يميز التراكم الحضاري, الانسجام والتفاعل والتبادل المعرفي المستمر, والمبنية حقبه على استفادة كل حقبة من الحقبة الأخرى, فلم تتناقض الحقب ,لا في حضارة الصين ,ولا في الحضارة السورية, وهذا ما ساعد على استثمار التواصل الذاتي من جهة, ومع الغير من جهة أخرى.. الأمر الذي يجعل التواصل الراهن تعميقاً واستمراراً لتاريخ عريق موغل في القدم من العلاقات الثنائية المتعددة الوجوه والمناحي.
أمطار الصين -وتحديداً بكين- الموسمية أضافت الى اطياف الحفاوة والترحيب طيفاً, وهم يستبشرون كشرقيين بعطاء السماء ,إذا ما تزامن مع الحدث أو مع قدوم الضيف وخاصة عندما يكون الضيف صديقاً ,وزيارته منتظرة منذ مدة طويلة ,وقد آن أوانها, ونضجت ظروفها, وتعددت أسبابها ,وتنوعت أهدافها, وتشعبت المصالح المشتركة المرجوة منها.
ولعل استعراضاً سريعاً للاتفاقات التي وقعت أمس بحضور الرئيس بشار الأسد والرئيس الصيني »هوجين تاو« يشير الى ما ذهبنا اليه من أن الزيارة تشكل انعطافة مهمة في مسيرة البلدين, وعلاقاتهما النوعية.
تسع اتفاقيات تم توقيعها, وأخرى بانتظار إنجازها, وهي قيد التوقيع سواء في دمشق أم في بكين, تناولت في مجملها ميادين السياحة والاقتصاد والري والصحة والنفط وغيرها, بالاضافة الى بروتوكولات ومذكرات تفاهم مشتركة, تشمل مختلف جوانب الحياة.
والأهم هو الاستعداد التام لدى الجانبين الصيني والسوري لتعميق العلاقات وتوسيعها أكثر, وتكريس مبدأ التشاور السياسي المستمر, وتحديد رؤية البلدين السياسية إزاء المشكلات التي يواجهها العالم, وإعادة التوازن إليه, وتعميق دور الامم المتحدة أكثر, ودور الصين العضو الدائم في مجلس الأمن في ذلك ,وهذا ما تسعى إليه سورية في كل خطوة تخطوها على أي من الساحات الدولية.
لكن محطة الصين ستحتفظ بنكهتها, وبروح شعبها الطيب المضياف, وبعطاء السماء وغزارة مطرها الصيفي الذي دفعنا للتفاؤل أكثر مما كنا متفائلين.