تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر

Attr

خالد الأشهب
قد يثلج صدور البعض من العرب, وصدور الأميركيين والغربيين عامة أن تصل تداعيات ما جرى في سجن أبو غريب العراقي إلى حد التفكير القضائي باستدعاء الرئيس بوش والوزير رامسفيلد للشهادة أمام لجان التحقيق في الكونغرس!!‏

وقد يتوهم البعض من هنا وهناك أن مثل هذه التداعيات وبما يرافقها من صخب إعلامي ومن كشف متواتر للمزيد من الحقائق هو ضرب من الديمقراطية, بل قلْ تعبيراً عن سطوتها وقدرتها على ممارسة الشفافية والحياد النزيه حين يتصل الأمر بحقوق الناس وكراماتهم الإنسانية?‏‏‏ ‏

غير أن لهذا المشهد وجهاً آخر لا يعنى بالديمقراطية كنظام سياسي وخيارات حرة, بل بوصفها نسقاً أخلاقياً أولاً, وسلوكاً اجتماعياً ثانياً, وحين تحدثت إدارة الرئيس بوش وتحدث أقطابها عن إحلال الديمقراطية والحرية في العراق, فقد كانوا يباهون بأنهم يقدمون خلاصتهم الحضارية والإنسانية للعراق والعراقيين, وتجربتهم الخاصة بهم, أخلاقاً وسلوكاً ونظاماً سياسياً أيضاً, أي سيقدمون نموذجهم الخاص من الشخصية الأميركية ومواصفاتها المعيارية والسلوكية, لنقلها وتوطينها في العراق وبين العراقيين.‏‏‏ ‏

ولطالما أوغروا صدر العالم واستقطبوه بالثقافة وطرائق العيش الأميركية, وبتلك المواصفات الحضارية الإنسانية التي يتحلى بها الأميركي ويمارسها ويتوق إلى التعامل مع الآخرين من خلالها, ولطالما زينوا لحضور الجيوش الأميركية في المنطقة بوصفه خلاصاً, ليس من أنظمة الحكم السياسية فيها فحسب, بل ومما ادعوا أنه تخلف وقمع وخنق حريات يكتنف بلدان المنطقة ومجتمعاتها.‏‏‏ ‏

وبالتالي, فإن الخديعة الكبرى, ليست في وقوع تلك الانتهاكات التي أقدم عليها جنود الاحتلال وقادتهم في سجن أبو غريب أو غيره, بل هي في الشخصية الأميركية ذاتها »الحضارية الإنسانية« وفي احتوائها على كل ذلك القدر من الوحشية ومركبات قمع الآخر واضطهاده وإذلاله..وهي التي تقدم نفسها نموذجاً لأخلاق الحضارة والسلوك الإنساني.‏‏‏ ‏

الخديعة الكبرى هي في المفارقة المذهلة داخل الشخصية الواحدة, الشخصية التي يمكن أن تكون إنسانية ووحشية في آن معاً, إذ كيف لإنسان أن يضحك أو يبتسم فوق جثة معتقل مات تحت التعذيب فيما عدسة الكاميرا تلتقط الصورة والمشهد.‏‏‏ ‏

لا ينتظر العراقيون اليوم أن تنتهي التحقيقات بانتهاكات أبو غريب إلى تجريم بعض الجنود الأميركيين أو تبرئتهم, ولا ينتظرون تفسيراً لتلك الازدواجية المرعبة التي شهدوا فصولها المرعبة بأم أعينهم وعلى أجساد أبنائهم, بل ينتظرون استعادة الكرامة المهدورة والسيادة المسلوبة بتحرير العراق كاملاً من الاحتلال, وبخوض تجربة الحرية والديمقراطية الخاصة, العراقية المنشأ والمواصفات والنتائج!!‏‏‏ ‏

‏‏

 

 خالد الأشهب
خالد الأشهب

القراءات: 30387
القراءات: 30383
القراءات: 30389
القراءات: 30386
القراءات: 30391
القراءات: 30388
القراءات: 30390
القراءات: 30388
القراءات: 30388
القراءات: 30383
القراءات: 30396
القراءات: 30392
القراءات: 30389
القراءات: 30391
القراءات: 30388
القراءات: 30389
القراءات: 30387
القراءات: 30386
القراءات: 30383
القراءات: 30382
القراءات: 30389
القراءات: 30382
القراءات: 30391
القراءات: 30389
القراءات: 30394
القراءات: 30388
القراءات: 30386
القراءات: 30389
القراءات: 30387

 

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية