والواقع.. فإن المرور على الاستراحة أمر جيد, وضروري من حيث المبدأ, فالجائع يأكل, ويشرب العطشان, ومحتاج المغاسل يدخلها.. وهكذا كل يقضي حاجته..
تبادل هذه الخدمة يجب أن يكون متوازناً, ويحقق مصالح متكافئة بين الأطراف الثلاثة, أي أصحاب الاستراحات, والمسافرين, والسائقين الذين يقودون حافلات النقل.. فإن توفر هذا التكافؤ كانت الأمور جيدة, لا بل ممتازة, فالمصالح متبادلة, وكل يجد مصلحته في توفير مصلحة الاخر. وهذا - بالمناسبة- مذهب رائع وحضاري في التعاطي مع الحياة بشكلٍ عام, فهو - بطبيعة الحال- لا يفتقد لمثل هذه الروعة في هذا الجانب الخدمي المطروح.
فمصلحة الاستراحات وأصحابها, أن تجذب المسافرين والسائقين إليها طواعية, وعليها أن تكون حريصة على هذا الجذب من خلال التقيد بالنظافة التامة لمأكولاتها ومشروباتها, وكذلك لكراسيها وطاولاتها, وأدواتها المستخدمة, وأيضاً لمبناها, وبشكل خاص لدورات المياه, التي تعطي أهم مؤشرات مثل هذا التقيد.
ومصلحة السائقين أن يجدوا استراحة تطعمهم وتسقيهم, معززين مكرمين بطعام وشراب نظيف وموثوق, وترضي المسافرين كي يفكروا باستمرار بالسفر معهم لأنهم سيعرجون على هذه الاستراحة أو تلك.. فيتم كسبهم كزبائن دائمين.
أما مصلحة المسافرين فتتمثل بأن يثقوا بما يأكلونه ويشربونه من حيث التقيد بأسس النظافة ونوعية الطعام, وأن يستطيعوا الاستراحة فعلاً, وأن يدخل دورة المياه وهو بحالة ارتياح فعلي, دون تقزز أو قرف. ولا بد للمسافرين أيضاً من أن يتلقوا هذه الخدمة وهم يشعرون بأنهم يدفعون أسعاراً معقولة, ولا يتعرضون لاستغلال في الأسعار, أو لأي حالة من حالات الجشع.
ولكن - يا سبحان الله - فنحن لم نتعود هكذا, ولا نؤمن بمبدأ المصالح المتبادلة, ولا يزال أغلبنا يعاني من العيش ضمن مبدأ المصلحة الفردية.. وليكن ما يكون..!!
فما قلناه -مثلاً- يوفر لتلك الاستراحات سمعة طيبة, ومردوداً أفضل, وإن كان على المدى الطويل, ولكن.. من يعشعش فيه مبدأ المصلحة الفردية وحدها, لا يستطيع أن يستوعب ذلك, ومن هذا المنطلق تقوم أغلب تلك الاستراحات, باختصار عناصر من تلك المعادلة المصلحية, المتكافئة, ويبدأ ذلك بالتعاقد مع السائقين, والاتفاق على خدمتهم جيداً لتأمين جذبهم وحدهم على قاعدة المرور القسري. أمام هذا التعهد الذي يتواطأ فيه العديد من السائقين دون شروط, تقوم »الاستراحات« باختصار جودة خدمة المسافرين كلها, بجودة الخدمة للسائقين مع تخلٍّ واضح عن النظافة على كل حال..!.
ويترك المسافرون يواجهون قذارة الطعام وسوئه, وغش ما يمكن غشه من الشراب, فضلاً عن فرض أسعار عالية واستغلالية بالنسبة لمثل تلك الخدمة, كل هذا إلى جانب رائحة الدهون, وروائح لا نعرفها, وأسراب الذباب والحشرات, دون أن تسجل الصراصير موقفاً وتغيب..!.
أما من يضطر للدخول إلى دورة المياه, فأي حقل يدخله أفضل له من الدخول إلى هناك, فالأقذار كثيرة ومتنوعة, ومن مختلف المصبات.. والروائح كريهة.. نتنة.. والوضع في غاية القرف غالباً..!
بكل الأحوال تبقى الأمور نسبية, ولا شك بأن هناك بعض الاستراحات القليلة التي أثبتت جودتها, واستطاعت أن تكتسب ثقة الكثيرين, ولكن أغلب الاستراحات مازالت تمر بوضع سيئ وغير معقول فعلاً, والملاحظ أن هناك بعض الإجراءات التي تتخذ بين حين وآخر من قبل الرقابتين الصحية والتموينية, ولكنها -كالعادة- بلا فاعلية مما يؤكد لنا ضرورة أن ننساها, ولا نعول عليها.. فهي إما أنها لن تريد أن تفعل شيئاً, وإما أنها عاجزة.. ليبقى الأمل متعلقاً بمقدرة أصحاب الاستراحات السيئة على تنمية عقولهم, وصولاً إلى إدراكهم بأن التعاطي مع مثل هذه الخدمة بمبدأ المصالح المشتركة هو الأفضل, والاستمرار بمثل هذا الأسلوب هو مؤشر لتخلف كبير نتوق إلى وداعه.. فلعبة »الشاطر« لم تعد هكذا أبداً..!.