فإذا كانت مناقشة الموضوع في المنظمة الدولية تعيق جهود السلام, حسب ذلك المنطق, فإن هذه الجهود التي يعيقها تدخل المنظمة الدولية تطرح الكثير من إشارات الاستفهام, وفي الوقت ذاته تدفع للتساؤل عن المفهوم الأميركي لتلك الجهود.
ففي حين كانت الشرعية الدولية معياراً للتعاطي, ومقياساً للفعل والممارسة في آن معاً, ألا يشكل ذلك تناقضاً صارخاً يستمد مشروعيته السياسية والأخلاقية من مفاهيم طغت على سائر الاعتبارات الأخرى?
قد يكون القلق من الإحراج الذي ستتعرض له الولايات المتحدة أحد الدوافع لذلك المنطق المقلوب, لكنه وفي كل الأحوال- لايبرر صيغة الإملاء الواردة في الخطاب الأميركي.
فالمندوب الأميركي الذي انفرد بمعارضة النقاش والمناقشة إلى جانب المندوب الإسرائيلي, كانت تعوزه الكثير من الكياسة الدبلوماسية, والكثير من المشروعية السياسية لكي يطرح الرؤية الأميركية بهذا الشكل الصارخ.
ورغم الإدراك الدولي لخلفيات ودوافع الاعتراض الأميركي لتدخل المنظمة الدولية في الكثير من القضايا الملحة المتعلقة بالصراع العربي- الإسرائيلي, وبالتطورات التي شهدها هذا الصراع, فإن ثمة من يتحدث عن ( طفح الكيل) وهو تعبير استعاري أطلقه أكثر من مراقب ومتابع للموقف الأميركي في المنظمة الدولية.
لأن الشرعية الدولية وإطارها التنظيمي والقانوني كانت وما زالت سقوفاً سياسية وأخلاقية يتم التعاطي معها على أساس الحاجة الملحة التي أملت على المجتمع الدولي صيغها القائمة.
وسيكون من الخطيرجداً استمرار استبعادها في مناقشة قضية أقرت بشرعيتها أكبر هيئة قضائية دولية , والأخطر هو الإصرار الأمريكي على اعتبار أي تدخل منها إعاقة لجهود السلام.
فأي سلام هذا الذي يتضرر من تدخل المنظمة الدولية, وأي جهود هي تلك التي قد تتضرر من اعتماد موقف الشرعية الدولية?!.
ربما كانت هذه الأسئلة برسم مشهد دولي تتخلله الكثير من المفارقات السياسية والأخلاقية التي تسمح لمثل ذلك المنطق أن يبرز الى العلن بهذه الصيغة التي تتبناها الإدارة الأمريكية.
ولكن ذلك كله لا يمنع من بروز الحقيقة الفعلية المتمثلة بأن المعركة السياسية والقانونية بدأت أولى خطواتها في المنبر الدولي الأهم, وهي معركة تستنفر فيها الأدوات والوسائل, وعلى ضوئها ستتحدد اتجاهات كثيرة في مسار العلاقات الدولية, هذا اذا لم تحدد المسار ذاته.
وحيث يقف العالم اليوم في مشهده القائم على نظرية المفارقة في تعاطي القوة الأكبر في العالم مع تطورات النقاش الدولي الدائر , فإن الواقع بكل تحدياته يفترض العمل الحثيث والموضوعي على تضافر الجهود الدولية التي أثمرت في محكمة العدل الدولية , كي تزهر على الأقل في الجمعية العامة , وليكون القطاف موضوعيا وفعليا من خلال مجلس الأمن.
إن تمسك الخطاب الأمريكي بمفارقاته المريرة في تعاطيه مع دور المنظمة الدولية والتي تفتقد لمبرراتها السياسية والأخلاقية, إن ذلك كله , يفتح الباب على مصراعيه أمام تداعيات يصعب الجزم بإمكانية التخفيف من انعكاساتها , إن لم تلق موقفاً واضحاً يرفضها, ويرفض التعاطي معها.