غير أني مارأيت صوابا في مثل هذا الاعتراض رغم ان دماثة الحوار تستدعي المجاملة وقبول الرأي الآخر ولو على مضض, ورغم ان الشفافية هي ان يرى المرء نفسه في الآخر, ويرى الآخر فيه, فتستقيم أخلاق المعاملة وتستوي بين الطرفين, وحجتي في ذلك بضعة اسباب :
اولها ان الاعلام عموما هو لغة ثقافة, وعلى الثقافة ان تكون ريادية متقدمة ليس في تناولاتها فحسب, بل وفي لغتها ايضا .
وثانيها : ان الاعلام هو لغة تكثيف وتركيز بوصفه تعبيرا عن رأي عام يذهب في استطالات عدة من الرأي والاختلاف لايمكن حصرها واجادة التعبير عنها الا بالتكثيف والتركيز .
وثالثها : ان الاعلام لغة ريادة, والريادة تفترض بالآخرين الالتحاق بها وليس الحاقها بهم, ليس من موقع التعالي, بل من موقع الدور والوظيفة, وما الاسفاف والترهل الذي نلمسه في بعض زوايا الاعلام وتكاياه الا الحالة المرضية فيه وقد تلبست لبوس التبسيط والسهولة, وليس الحالة الطبيعية .
على هذا النحو لايمكن ل¯ (حديث الناس) ان تكون ألسنة الناس ونوازعهم وقد اختلفت مشاربها ومستوياتها, بل ان تكون وجدانهم الحي وضميرهم العام بين يدي لغة تجيد التعبير عنهما, بالشكل والطريقة المناسبين, وبما يكفي الى تحويلهما الى نصوص قابلة للفهم والترجمة الى استجابات, لدى اصحاب الشأن في الحكومة والمؤسسات المعنية بالمنبر الاعلامي ودوره ووظيفته !
ليس الاعلام ساعي بريد او رسول بلاغ فحسب, ولاهو الوسيط بين الناس والحكومة اذا اردنا له توصيفا حضاريا يستحقه, انه المنبر ( الدينامو) الذي عليه ان يحول اشكال الحركة الى طاقة قابلة للخزن والتجميع, ثم اجادة الاستخدام في الوقت المناسب بما ينير الطريق ويبعد العصي عن العجلات الدائرة .
هذا هو الفرق بين الاعلام وبين مراقب التموين, وبينه وبين معلم التلقين?