فالأمم المتحدة بأدواتها المتعددة منشغلة بأزمة دارفور وتضغط على السودان, والولايات المتحدة تعد القرار تلو الآخر بما يشبه السيناريو لإيقاع أكبر الأضرار بالعرب وأمنهم ومصالحهم, فيما أوروبا لاتزال أسيرة مواقفها المتباينة إزاء العديد من القضايا الدولية والإقليمية التي تؤثر وتتأثر بها , أما العرب فهم للأسف أول الغائبين عن الساحة, فمواقفهم يصعب فهمها وبياناتهم غائبة من المدلولات وتدل على حالهم الذي يستحيل تحديد اتجاه مصيره المأساوي وفظاعته إذا ما استمر تعاطيهم مع أوضاعهم وأعدائهم على هذا النحو من عدم المسؤولية والخنوع والضياع.
أمام هذا الواقع المرير الذي يمر به العالم والمنطقة تحديدا والذي تستفيد منه إسرائيل , لاجدوى من صراخ الفلسطينيين الذين تسحقهم جنازير الدبابات والجرافات الإسرائيلية, وتغتالهم الصواريخ والقذائف الأميركية الصنع على مدار الساعة.
فكل الجهات الدولية والإقليمية التي من المفترض والمطلوب طبقا لواجباتها القانونية والدولية العمل سريعا لوقف المجازر الإسرائيلية تراقب وتحذر وتطالب وتدعو, وعلى رأسهم العرب, الذين يخترقون هذه الصيغ بامتياز ,ولكن لايقابل ذلك أي فعل أو تحرك من شأنه, الهاء إسرائيل قليلا عن قتل الفلسطينيين والتنكيل بهم, ليس من باب الرأفة, بل على الأقل لإراحة العالم قليلا من متابعة مشاهد القتل الفظيعة التي يمارسها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين العزل في فلسطين.
العالم يواجه الآن حربا عالمية مختلفة عن غيرها من الحروب السابقة, فهذه الحرب تقودها قوة عظمى, تشاطرها أو تنجرف معها قوى ودول لأسباب متباينة ضد القيم والقوانين والشرعية الدولية والمفاهيم الإنسانية, والميزة في هذه الحرب أن لاأحدا يدرك من سينتصر ومتى ,وهو ما يجعل ساحتها وميدانها واسعا جدا ,وتكاليفها باهظة على جميع المستويات.
في هذه الحرب تحوّل المدافع عن وطنه وحقوقه وشرفه والمقاوم للاحتلال إرهابيا يهدد الأمن والسلم الدوليين ,والأمن القومي الأميركي تحديدا, والقوى المحتلة الغاشمة داعية سلام وأداة أساسية في الحرب الأميركية على الإرهاب.
والمشكلة أن كل ذلك يتم تمريره تحت سقف الأمم المتحدة ومؤسساتها وعلى رأسها مجلس الأمن, يبدو الواقع وكأن المنظمة الدولية التي حافظت على ميثاقها الذي يشرع مقاومة الاحتلال ويطالب المجتمع الدولي بتحرير ومساعدة الشعوب المحتلة فعلت ذلك ليس من قبيل السعي لتفعيله, أو على الأقل التذكير فيه, وإنما للحفاظ عليه كقيمة أرشيفية للأجيال اللاحقة.
إن صمود شعبنا الفلسطيني ومواجهته للاحتلال بصدور عارية يبقي الأمل قائما بزوال الظلم والاحتلال معا ,وبانتصار قيم الحق والعدل والمساواة على نقيضها التي تحاول القوى الغاشمة فرضها بالقوة على العالم.
ومن حق الفلسطينيين الاعتزاز بكفاحهم ومقاومتهم للمحتل في هذا الزمن الرديء, فهم بهذا الفعل البطولي والإنساني والشرعي لايقاومون الاحتلال ويسعون لنيل الحرية فحسب بل يسهمون في الدفاع عن القيم والمبادىء الإنسانية المستهدفة في الحرب العالمية الثالثة.