خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد
وأنا أقول وبين يدي كتاب (سورية وطن وحضارة): (خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الآثار). وهو كتاب لا هو سياحي,ولا هو تاريخي, ولا هو توثيقي أثري.. بل هو كل ذلك..
بل أكثر من ذلك لأنه يحتوي على صور أخاذة ونادرة أيضا للكثير من معالم سورية الحضارية التي تعاقبت عليها الحضارات منذ مئات القرون حتى الآن.. وهو متوج بصورتين للرئيس الراحل حافظ الأسد رمزا للتصحيح وأخرى للرئيس بشار الأسد على خطوات التحديث.
إنه كتاب للفنان والمصور (أيوب سعدية) وقد طرزه بعناية فائقة وبإحساس قومي. وزينه بهذه الصور لتعبر بذاتها وثائقيا عن أم الأوطان في التاريخ وعن أول مدينة مأهولة معمورة هي دمشق, وأورد قولا لأحد البحاثة والأثريين (شارل فيرولو) إذ يقول: (لكل إنسان في العالم وطنان.. الوطن الذي ينتمي إليه وسورية).
وهكذا تتفتح أمامنا صفحات التاريخ منذ أقوام اندثرت حتى أزمان مرت وعبرت كالرومان وصولا الى الحضارة العربية التي شع نورها فأضاءت العالم وكان فيها فيض الديانات السماوية المسيحية ومن بعدها الإسلام.. وها هي اللغة الآرامية لغة السيد المسيح نفسه لاتزال تنبض في مناطق من سورية يتداولها أهلها, ويحرص عليها المؤرخون والباحثون تدوينا وتثبيتا لحقائق تاريخية شاهدة على الأمانة والدقة التاريخيتين. وماذا نقول عن آثار الحضارات في شمالي سورية ومنها الحضارة الأوغاريتية الشامخة التي وثقت بأسفارها لأول أبجدية في التاريخ ولمستوى من التقدم والرقي لم تعرفه آنذاك أي بقعة في الأرض? وماذا نقول أيضا عن دمشق ومصنوعاتها وزجاجها ومصوغاتها وتجليات الحضارة فيها, وما عرفه العالم عنها من شهرة واسعة يشهد لها طريق الحرير.. والسيف الدمشقي الأصيل? ماذا نقول عن فن العمارة وما وصلت إليه من فن البناء منذ أقدم الكنائس حتى أفخم المساجد كالمسجد الجامع وهو الأموي.. ولقد شيدوا ما شيدوه من الحجارة ومن فن العمارة ما يشهد لمن يليهم بتسلسل الحياة وازدهارها على هذه الأرض? هذا عدا عن شواهد القبور والقصور التي تبدأ من الأساطير القديمة ولا تنتهي عند المباني الحميمة التي نراها كل يوم.. نعيش بينها وتعيش فينا.. وتشكل نسيجنا الحضاري.. ومفهومنا القومي كأمة عريقة لا يمكن أن تتجاوزها اقتحامات الغزاة المحتلين.. ولا أن تفقدها جوهرها الحضاري الثمين.
والتاريخ ليس كتابا يقرأ.. ولا حجرا منقوشا يحتفى به او يترك في مكانه دون قراءة.. بل هو روح تتغلغل في جماعات من البشر تسري بينهم وتنتقل بين أجيالهم وتترسخ قوة وحيوية وقدرة على البقاء والاستقرار والنمو والازدهار.
وإذا كان تاريخنا هو الناطق عنا فإن علينا أن ترتفع بيننا القامات كما الأصوات.. وأن تكون على الثبات إذا ما اصطدمت الحضارات.. مما ينذر به هذا الزمن المشؤوم في نعيب الغربان والبوم.