وبما أن منطقة الشرق الأوسط تحظى ملفاتها الساخنة باهتمام بارز على الساحة الدولية, تتوجه الأنظار إلى مستجدات السياسة الأميركية إزاء هذه المنطقة وخططها للتعاطي مع تداعيات هذه الملفات التي تتفاقم يوما بعد آخر دون أن توضع لها الحلول المناسبة.
والدول العربية ليست بعيدة عن حالة الاهتمام الدولي هذه وإنما هي في جوهرها لأهمية وحساسية وأبعاد الدور الذي من المفترض والضروري أن تلعبه في التأثير على السياسة الأميركية في المنطقة.
فالمجتمع الدولي الذي لم يخف امتعاضه من التعاطي العربي المشتت تجاه القضايا التي تشغل الدول العربية وتهدد مستقبل المنطقة.. يرى أن الموقف العربي من هذه القضايا يشكل المدخل الرئيسي لباقي الأطراف الدولية لكي تكون مؤثرة وفاعلة في السياسة الأميركية وينتظر موقفا عربيا يستطيع من خلاله وضع الولايات المتحدة أمام مسؤولياتها تجاه أحداث المنطقة, ولكن السؤال: أين العرب من هذه الرؤية والرغبة الدولية?.
فإذا نظرنا إلى الواقع العربي بجميع تجلياته لا نرى ذلك الفعل الذي يمكن التعويل عليه لمواجهة التحديات الكبيرة التي تتراكم على الأمة, فالتمزق والتشتت العربي تجاوز كل الحدود لدرجة أن النظام الرسمي العربي بات يأكل نفسه بعد أن أخفق في تجاوز انقساماته وخلافاته التي صنعها له الأعداء, ولم يعد هذا النظام قادرا على تخطي المصاعب الكبيرة التي تتربص به من كل جانب وصوب كذلك لم تعد تجنبه الحلول الآنية وسياسة التنازلات والمساومات مخاطر انقضاض الأعداء عليه في الزمن والتاريخ الذي يريدونه.
ففي الواقع العربي تجد دائما الشيء ونقيضه وكأن الأمة مقدر لها أن تفني نفسها بنفسها دون أن تعي وتستذكر الدروس الماضية, فاللا مبالاة أصبحت ميزة فيما نواجهه من أخطار ,والتعاون والتنسيق أضحى من الذكريات في وقت نحن في أشد الحاجة إليه, والثقة المتبادلة لم تعد تشكل جزءا من صميم وجودنا السياسي والاجتماعي والقومي الذي لا يتأخر أحد عن الاكتفاء بالتذكير به.
في هذا الواقع أصبحت بعض الدول العربية والقوى السياسية أداة للسياسة الأميركية رغم إدراكها لمخاطر ذلك على مستقبلها القريب, وليس البعيد, ووصل الحد ببعض الدول إلى تبني بعض المواقف وكأنها على دراية وعلم بما يخطط في أروقة البيت الأبيض والبنتاغون, وأيضا انخرطت في الترويج لبعض المشاريع الخارجية مع أنها تستهدف وجودها ومستقبلها.
إنه وضع مأساوي تستهلك فيه المحاولات الرامية لاستنهاض الأمة ودفعها إلى التنبه واليقظة من داخلها قبل خارجها, ولكن ما يجعل الأمل قائما بإمكانية تلافي السقوط الكبير أن القوى والدول التي تقف وراء هذه المحاولات (رغم قلتها وندرتها) مصممة على الاستمرار بهذا النهج رغم ما يرتبه عليها من ضغوط وتهديدات.