واليوم عندما يلتقيان على قاعدة البحث عن مخرج لمأزق مشترك وإن تباينت معطياته أو تغيرت, فإن تلك اليافطة لم تعد صالحة للتغطية, بعد أن وصل كلاهما إلى الدرك الأخير.
شارون الذي يحتاج بيريز لتلميع صورته, ومواجهة خصومه داخل الليكود ذاته, يدرك أنها الفرصة الأخيرة السانحة ليستمر وسط الساحة السياسية لبعض الوقت.
وبيريز الباحث عن آخر ما تبقى في الجعبة, يبحث عن خاتمة, تحفظ له ماء وجهه قبل أن تريقه أي انتخابات مبكرة قد تحصل, وخصوصاً عندما يدرك أيضاً أن المأزق بمقدار ما هو شخصي بحت فهو أيضاً حزبي وبالمقدار ذاته.
وفق هذا المعطى تتحرك القواسم المشتركة, ومفاوضات الانضمام إلى الحكومة أو لإعادة تقاسم الحكومة, ليست أكثر من وسيلة أخرى لإضفاء المشروعية على لعبة التلاقي والخصام.
والواقع السياسي بمقدار ما أفرز من تداعيات ضاغطة يبدو مؤهلا ً لإعادة إنتاج الكثير منها, ليس بدافع البحث عن حلول أو بدائل, بل لتجهيز الساحة لموقعة أخرى مختلفة تحت ضغط الحاجة المتبادلة- الشخصية منها كما الحزبية- يتم تبادل الأدوار, ولكن مع مراعاة دقيقة لإفرازات المرحلة, فحزب العمل الذي كان يرى في سياسة شارون حتى وقت قريب, انجرافاً نحو الهاوية, كان البديل الوحيد القادر على انتشاله من تلك الهاوية.
وحتى شارون الذي كان ينظر إلى حزب العمل وبيريز تحديداً, كخطر على المخطط التوسعي الذي يتبناه, لم يجد غضاضة في تقديم ما يحفظ ما تبقى له من رصيد, ولو كان ضحلاً إلى حد غير مسبوق.
في كل الحالات التي تلاقى فيها العمل والليكود, كان التطرف القاعدة المشتركة التي تجمعهما, وفي لقائهما اليوم تستخدم القاعدة ذاتها, ولكن مع تطوير خطير في محتواها واتجاهها.
فحزب العمل الذي كان بحاجة إلى من ينجده, غير قادر حتى على طرح البدائل, وبيريز الذي كان يشكل الخاصرة الأخرى الملتوية لسياسة إسرائيل, لم يعد يمتلك ما يعينه على لعب الدور التقليدي المعتاد.
أما الليكود المنقسم على نفسه, والمتخاصم مع ذاته وأشخاصه, يفتقد للطرح السياسي القادر على بلورة رؤيته أو اتجاهاته, وحال شارون المتأزم لا يسمح له بالمناورة أو المبادرة, إلا بتوفير المزيد من الوقت قبل إعلان الانهيار.
تلك هي الصورة المتباينة في تشكيلها والمتناقضة في تكوينها, والخاسر الفعلي والأساسي منها هو السلام ومحاولات التفاؤل التياا تصبغ التحرك الدولي, والحديث المسهب عن الفرص المتاحة لإعادة إطلاق عملية السلام.
فالأزمة بالأساس تفاقمت نتيجة تلك المحاولات وذلك الحديث, وتآكل رصيد كل من شارون وبيريز يعود بالدرجة الأولى إلى إمعان الأول في قتل فرص السلام, وتراجع الأخير عن كل الشعارات التي امتطاها.
وفق ذلك كله, فإن التطلع الدولي نحو السلام, يصطدم بواقعة جديدة في السياسة الإسرائيلية, ستخلق أمامه المزيد من العقبات والعراقيل, وتسلبه الكثير من الوقت والجهد اللذين يشكلان حاجة ماسة وملحة في اللحظة الراهنة وفي المستقبل المنظور.