وبالرغم من المحاولات المستمرة ضمن مشروع الإصلاح الإداري والاقتصادي المطروح, فإن النتائج ما زالت دون الطموح والمرتجى, إذ عانت مشروعات كثيرة من صعوبات وعقبات بسبب عدم وجود صيغ توافقية بين الآليات المتبعة لدينا مع الآليات المشابهة في الدول الأخرى, وكثيراً ما يصف المراقبون والخبراء المتابعون لعدد من المشروعات الممولة أن الآليات التي ما زالت متبعة لدينا بطيئة, ومعوقة لسرعة الإنجاز, وغير قادرة على الاستجابة إلى السرعة والحركية الناظمة لأداء المؤسسات والشركات والهيئات الممولة, ولذلك فإن تلك المؤسسات تحجم عن متابعة بعض المشروعات, أو تعتذر عن تمويل مشاريع لاحقة, وقد حدث الأمر مع عدد من الهيئات الدولية والعربية التي تراجعت عن الإسهام في مشاريع البنية الأساسية بما انعكس تراجعاً في عملية التنمية الاقتصادية في نهاية المطاف.
وتتمثل حالة عدم المقدرة على المواءمة في السلسلة الطويلة من الإجراءات الروتينية والإدارية بدءاً من الدراسة الأولية وحساب الكميات والتكاليف وطرح المشروع للتنفيذ والإعلان عنه في وسائل الإعلام المختلفة, واستلام العروض ومناقشتها, وموافقة اللجان الفنية والمالية, وضرورة الحصول على موافقة المجموعة الاقتصادية في رئاسة الحكومة كشرط للتنفيذ والموافقة على العرض المقدم, وأخيراً الدخول في مراحل التنفيذ ودفع الاستحقاقات الواجبة للجهة المتعهدة والتي تتخللها توقيفات وحسميات لا ترضى عنها تلك الجهات.
وببساطة فإنه أمام هذه الحالة المتكررة تظهر ضرورة الإسراع لإيجاد صيغ بديلة أكثر ديناميكية تتضمن منح تفويضات واسعة للجهات صاحبة المشاريع تمكنها من تنفيذ تلك المشاريع بسهولة ويسر تجعل الانتهاء منها أمراً ممكنا بعدما توقفت عشرات المشاريع الاستثمارية لتلك الأسباب.
ويبدو أننا بعد فترة طويلة من انطلاق مشروع الإصلاح الاقتصادي والإداري ما زلنا بحاجة لاتخاذ قرارات أكثر جرأة في منح صلاحيات أوسع للقائمين على الهيئات والمؤسسات, تخفف المراحل الطويلة لإقرار العطاءات والعقود الكبيرة خلال فترة قصيرة, بما يتوافق والغايات المحددة في خطط التنمية الوطنية.