منذ سنتين تقريباً, وعشية الحرب الاميركية على العراق, كان ثمة ألسنة اميركية في ادارة الرئيس بوش, ترغي وتزبد وتتحدث عن مشاريع سياسية طويلة المدى في العالم, وفي الوطن العربي والشرق الأوسط بصورة خاصة, تتحدث عن تغييرات جذرية واسعة النطاق في اصول السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة, تبدأ في المحطة الاولى للتغييرات في العراق ولا تنتهي في السودان, وكان الحديث عن اشاعة الحريات والديمقراطيات واقتصادات السوق, كما لو انه حديث عن تقليعة جديدة في عالم الازياء والموضة, لا تلبث ان تظهر في الشارع العربي وعلى شخوصه بعد ان تنهي دار الازياء والتصميم الاميركية اختيار الألوان والأشكال وطرائق (القص) والتطريز.
غير ان المشروع الأميركي (التقليعة) توقف في محطته الاولى ولم يغادرها بعد, اذ انقلبت طاقات الزهر والورود التي توقع الاميركيون استقبالهم بها في العراق, انقلبت الى شحنات ناسفة وعمليات استشهادية, والى جثامين ونعوش تسافر يومياً من العراق عائدة الى موطنها اميركا.
لماذا يتوهم الاميركيون ان تغيير الثقافات بمثل سهولة تغيير الانظمة?
ومع ان ثلاثة ارباع الورطة الاميركية في العراق اليوم هي بنصيحة اسرائيل وتحريضها, إلا ان ادارة الرئيس بوش لا تزال تصر على أوهام التغيير وعلى ادواته, ولو بحماسة اقل وبتعابير والفاظ اخف وطأة, ولا تزال تنتقل من رهان الى رهان, فبالأمس معركة بغداد, واليوم معركة الفلوجة, وغداً معركة هذه او تلك من المدن العراقية.
ثمة عرف متداول في اميركا ولدى اداراتها, ان يستشار الرؤساء السابقون في القرارات الكبرى والسياسات الاستراتيجية, وبالأمس تحدث الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون امام المنتدى الاستراتيجي العربي المنعقد في دبي, تحدث عن سيناريوهات للتغيير والتحديث في العالم العربي, تحدث عن التنمية الاقتصادية والتعليم وارادات التغيير, لكنه - وكما لو انه لم يحاصر العراق عشر سنوات ولم يضربه بالصواريخ مرتين - اصر على ان ارادة التغيير وادواته ينبغي ان تكون محلية عربية اليد والطابع وأن اي ارادة خارجية للتغيير لابد ان تفشل!!
لماذا لا يستمزج الرئيس بوش سلفه وتجاربه في جدوى المقصات الاميركية بترويج (التقليعة) الديمقراطية التي يواصل الدعاية لها بلغة الحديد والنار?