تدلني على جمعية سكنية -من هذه الجمعيات الكثيرة في قريتي- لم يتحول رئيسها إلى مليونير.. أيام كان للمليون القدرة على تحويل صاحبه من حرام إلى محترم وإلى تغيير صفته الاجتماعية من (....) إلى وجيه من وجهاء المدينة المجاورة..
ليتحول بعد ذلك إلى رجل أعمال لا تأكل أمواله النيران كما تقول خالتي عن حمود الطفران.
أنا لا أقصد شيئا سوى أنني أريد استعادة ثقتي بأبناء قريتي وخاصة بالمتعلمين الذين يحملون أرواح الناس في أعناقهم.
وأنا يا صديقي أبحث عن خمسة متعهدين (أيضا في قريتي جبل الورد) يعيشون من الربح الحلال مع أنه وفير جدا جدا. شيء مضحك أليس كذلك?
أعرف أنني بهذه الطروحات أخالف العصر وأعود إلى الوراء بمعتقداتي وقد أقحم في خانة السلفيين بحيث سترفضني التجمعات الحداثوية والعصرية المنتشرة في قريتي.. إذ هل يعقل أنني مازلت أتساءل عن الحلال والحرام? وهل مازال الفاصل بينهما واضحا جليا أم تحول إلى ما يشبه الخيط الواهي بين العتمة والضوء.?
وليتك تدلني على رئيس مركز الأعشاب.. أو مدير مركز الرمال الوردية. أو أي مسؤول في قريتي -جبل الورد- يشكر موظفيه عندما يصوبون رأيه وكأنه خلق كامل الأوصاف أو كأننا لم نرث تاريخا عظيما عن الخلفاء الراشدين ومنهم عمر بن الخطاب الذي نادى الناس قائلا: (من رأى منكم فيّ اعوجاجا فليقومه)
في قريتي لا يجرؤ أحد أن يقف في وجه المسؤول.. بل عليه عندما يمثل بين يديه أن يشكره, وينحني قليلا إلى الأمام وقد وضع يديه فوق بعضهما على صدره. وعليه أن يؤكد بأنه الحارس الأمين وكاتم الأسرار والسيف على رقاب من يقول لا.
أو ليتك تدلني على مسؤول (فقط في قريتي) لا يسعى لتغيير موظفيه ولا يناضل لإزاحتهم إذا كانوا ناجحين.. عليه دائما (أقصد المسؤول في قريتي) أن يبحث عن عناصر تافهة, مخذولة, تنحني بسهولة أمامه.. وكلما كانت أقل كفاءة وخبرة يكون هذا أفضل والأفضل من ذلك أن تكون بلا كرامة بحيث تتحمل التهديد والوعيد والتحولات التي تجري في عقل ذلك المسؤول.. ومن أهم المواصفات التي على العناصر أن تتحلى بها هي أن تصدق خطاب (مسؤول قريتنا) على أنه وطني نقي.. لم يدخل إلى جيبه صندوق خيار ولا جرة لبن.. وأنه يجري التغييرات والتعديلات حرصا على مصلحة القرية وحرصا على زيادة الريع لهذه القرية. ويا ويل من يقف ويقول له: ولكن مؤسسات القرية كلها خاسرة يا أستاذ مع أن أبناء القرية هم الذين يديرونها.. بل الأفضل أن تلغي كلمة أستاذ وتناديه ب¯ -يا دكتور- لأن -الدكترة- تليق به وبخبرته وهو ليس أقل من رفاقه الذين جاؤوا بالدكتوراه عن الصابون والعيطون.. وليتك يا صديقي تدلني على موظف في قريتي أنا لا أقصد القرى المجاورة.. فليكن ذلك معلوما .. لا يسعى إلى -الهريبة- ولا يخترع المهمات التي تكون الوسيلة.. وليتك تدلني على مركز في قريتي تجد فيه موظفا بعد الساعة العاشرة.. عينك, عينك فالكل في المهمات من أجل القرية وتحسين أوضاع القرية وتسمين دجاجها وبطها وبغالها. والله أنا لا أدينهم.. لأنه لا يوجد شغل.. وهذه المهمات هي نتيجة من نتائج الفراغ الذي يعانيه موظف قريتي.
كم أود يا صديقي أن أجد موظفا (في قريتي) لا يعتبر أن مال الدولة ماله وأنه يجوز الهبش منه طالما هو محتاج وطالما أن مديره يسخر كرسيه للعزائم والولائم على حساب (القرية). بعضهم لا تطاله التهمة.. لأن هذا البعض لم تتح له الظروف لأن يتحول إلى رجل مهم يأمر الناس ويسلبهم كرامتهم -طبعا أقصد قريتي جبل الورد.