غيرأن هذين القولين لايجدان من يرتاح لهما تماماً في كثير من المؤسسات والشركات الحكومية , بل إن التذكير بهما بين الحين والآخر , بهدف الوصول الى الصحيح لم يعد مجدياً في منظور البعض .
ولكن ما الأسباب التي تدعو الى الحديث عن الكفاءة والجدارة واللياقة والمكان المناسب?.. مع إدراكنا المسبق , أن مثل هذا الحديث ينسحب على كثير من القضايا , إلا أن مانسعى الى تناوله في هذه الزاوية قائم في موضوع محدد هو : الإيفاد الخارجي الذي يكاد يصبح في مؤسساتنا الحكومية موضوع نقاش يومي , ذلك أن معاييره غير واضحة بل غير جدية .. وظالمة في كثير من الأحيان,.. من المفترض منطقيا, أن على الموفد الخارجي أن تتحقق فيه صفتان: أن يكون خبيراً بموضوعه , ملماً به , وعلى دراية ومعرفة بالموضوع الذي انتدب للقيام به , وأن يكون في الوقت نفسه صورة عن المؤسسة التي يمثلها , سواء كانت اقتصادية أم خدمية أم إعلامية.
فإن كان جديراً بمهمته أفاد واستفاد , وإن كان غير ذلك بدد وقته وأضاع مصلحة مؤسسته , وكبدها نفقات مالية دون تقديم أي مقابل يصب في مصلحة العمل,.. والإنسان الذي يعاين وبكثير من الدقة حالات الإيفاد في غالبية المؤسسات الحكومية , يقع على حوادث غريبة , قياساً بما معمول به في مؤسسات دول العالم , فهناك من يوفد لأنه ( مدعوم ) من مسؤول في المؤسسة التي يعمل بها , أو من مسؤول متقدم خارج المؤسسة التي يعمل بها , وهناك من احتكر الإيفاد منذ سنين طويلة , كما لوكان هو الموظف الوحيد لهذا الغرض , وهناك من يأخذه الاعتقاد , أن الإيفاد هو عمله الحقيقي الوحيد وماعداه( مضيعة وقت) .. وكل ذلك ينجم أساسا عن الإغراءات المالية التي تقف وراء الإيفاد ,وقد لايصدق البعض لو قلنا : إن هناك قلة في المؤسسات الحكومية , تمكنت من كسب مبالغ تفوق وبعشرات الأضعاف حقيقة الرواتب والأجور المحققة لهم طيلة سنوات الخدمة ,.. والمشكلة هنا , غير مشكلة المحسوبيات والدعم والإسناد واحتكار المنافع , إن أصحاب الكفاءة والخبرة يفقدون فرص الايفاد , التي تسرق أو تختلس منهم لمصلحة أطراف ليس لها الا خبرة ( الواسطة ) و ( الإسناد الثقيل ) . وهكذا فعوضا عن التمييز بين الموظف الكفوء والموظف غير الكفوء, يتم التمييز بين الموظف المدعوم والموظف غير المدعوم ,وهو منطق يناقض المنطق السليم ويعبث بالمال العام من أجل المصلحة الخاصة .
في مواجهة هذه الظاهرة المستشرية منذ عقود , والتي تثير في النفس أكثر من الأسف والش¯عور بالظلم , ينبغي أن تكون هناك معايير موضوعية صحيحة ومحددة , تأخذ بها جميع إدارات ومؤسسات الدولة في موضوع الإيفاد, ليس احتراماً للكفاءة والخبرة وتحقيق العدالة فقط , بل من أجل الدفاع عن المصلحة العامة , والدفاع أيضا عن صورة بلدنا في الخارج , لأن من لاكفاءة له يسيىء الى بلده لا أكثر , أو يحسن الى ذاته وجيبه ويسيئ الى بلده , وهو منطق لاعلاقة له بالمنطق ..