ولشعوب المنطقة خصوصا لما يحمل من مفارقات عجيبة, وينطوي على تزوير وتشويه متعمد للحقائق وقلب خطير للمفاهيم, أصبح قاعدة وانموذجا في تزوير الحقائق وتشويه القيم .
فوصف الرئيس بوش الشهير لشارون أتى في الوقت الذي كان يواجه شارون احتمالات المثول أمام محاكم دولية ولاسيما في بلجيكا بوصفه مجرم حرب ارتكب العديد من جرائم الحرب ضد الفلسطينيين أبرزها مجازر صبرا وشاتيلا, ورغم شهرة شارون عالميا كمجرم حرب, فإن الرئيس بوش مازال يتمسك بمقولته ويعتبره رجل سلام .
وما يشير الى أن الرئيس بوش عازم على تعميم ظاهرة القراءة المغلوطة للأحداث والوقائع, وتعمد قلب الحقائق والمفاهيم كظاهرة أميركية بامتياز لا تنحصر بما هو خارجي فقط على نحو تصميم واشنطن تسمية مقاومة الاحتلال إرهابا ووصف جرائم الاحتلال المنظمة والموصوفة دفاعا عن النفس, وإنما تعميمها على المستوى الداخلي في أميركا ذاتها .
فالأوسمة الوطنية الأميركية الرفيعة التي منحها الرئيس بوش لكل من جورج تينيت وبول بريمر وتومي فرانكس هي أكبر دلالة على محاولة الإدارة الأميركية التزوير حتى للمفاهيم والقيم الأميركية الوطنية والخاصة جدا, ذلك أن هذه الأوسمة كانت تمنح تاريخيا للأكاديميين والمبرزين, والمحترفين سواء في ميادين العلم والفكر أم في ميادين الرياضة والفن, وكذلك للذين يقدمون خدمات مدنية مميزة في أوقات السلم ,وليس لواضعي الخطط العسكرية وقادة الحروب العدوانية التي تجلب المآسي والويلات للشعوب وتتسبب بالانقسامات الدولية وتدهور العلاقات والاستقرار العالمي .
وفي قول الرئيس بوش ( إن بريمر وتينيت وفرانكس يمثلون نبل الخدمة العامة والطبيعة الجيدة لبلدنا والتأثير الجيد للولايات المتحدة في العالم) النأي الأكبر عن الحقيقة, والتنكر الصارخ للواقع الذي أكدته وتؤكده استطلاعات الرأي في العالم وفي أوروبا التي اعتبرت إسرائيل والولايات المتحدة أكبر تهديد للأمن والسلام العالميين.
فعن أي خدمات نبيلة يتحدث الرئيس بوش?! وهل كذبة أسلحة الدمار الشامل العراقية- ذريعة الحرب- التي لفقها تينيت هي خدمة نبيلة قدمها للعالم, أم أن اعتراف بريمر بأخطائه في العراق بعد انتهاء مهامه كحاكم عسكري هناك هي خدمات نبيلة قدمها للعراقيين, ودمر بها حياتهم ومجتمعهم ?! أم إن إلقاء ملايين القنابل الذكية من زنة النصف طن وأكثر , العنقودية وغير العنقودية ,وتوجيه ملايين الصواريخ الى البنى التحتية العراقية من قبل الجنرال فرانكس هي أيضا خدمات نبيلة قتل بها عشرات آلاف الأبرياء من أطفال وشيوخ ونساء العراق ?!.
إن تقليد الرئيس بوش الأوسمة لكل من بريمر وتينيت وفرانكس هو تزوير وقلب للمفاهيم والقيم الأميركية يسيئ للمجتمع الأميركي وتجربته الديمقراطية بمؤسساته الرسمية والأهلية, كما أن هذا التكريم مؤشر خطير يرتب لمرحلة جديدة ستشهد نموا متصاعدا لنفوذ وسيادة مفاهيم المحافظين الجدد المتصهينين داخل المجتمع الأميركي بما يشكل حالة مدمرة لمفاهيم الحق والعدالة .