والملفت في الحديث عن الإصلاح المطروح ايضا تلك الضبابية في دور المجتمعات العربية بهذا الشأن, ومحاولة بعض الاطراف (تحييد الدول والأنظمة العربية بين الوصفات الأميركية والأوروبية متجاهلين الخصوصيات والهويات المتباينة) والأوضاع السياسية والاقتصادية بين هذه الاطراف .
لاشك أن بطء وتقهقر الإصلاح بجميع جوانبه في الدول العربية, يوفر الثغرات لبعض القوى الدولية لطرح نفسها كبديل لتحقيق هذا الإصلاح, ومحاولة هذه القوى نسف الخطوات التي قامت بها بعض الدول على هذا الطريق, والتشكيك بجدواها المستقبلي يوضح مدى جديتها في فرض نفسها وبرامجها الإصلاحية المجتزأة على الدول العربية وتشكل التهديدات التي تطلقها هذه القوى لتحقيق توجهها هذا أبرز معالم تحولها عن حل الأزمات والصراعات الخطيرة في المنطقة والتي تؤثر على الإصلاح والديمقراطية الى قضايا من المفترض أن تكون من أولويات الدول العربية وفي صميم نشاط مجتمعاتها الداخلية وتفاعلها مع المعطيات والتطورات الدولية المتسارعة .
التعاطي العربي بشقيه السلبي والإيجابي مع وصفات الإصلاح والديمقراطية الأميركية وغيرها لا يزال دون المستوى المطلوب, فبينما يعمل المروجون لهذه الوصفات الى إثبات حسن نوايا الأطراف التي تدعي السعي لدعم ودفع عجلة الإصلاح في الدول العربية, يكتفي المعارضون بالتحذير من خطورتها دون أن يقدموا البدائل العملية لها, والجدل المستمر في هذا الشأن يكشف عن تصميم وإصرار دعاة الوصفات الخارجية على احداث خرق في جدار الرفض العربي الواسع لهذه المشاريع وخاصة الأميركية منها, مستغلين تقاعس الحكومات العربية عن القيام بخطوات ملموسة في هذا الاتجاه .
وانقسام التعاطي العربي مع هذه الطروحات بين مؤيد ومعارض, وإن كانت الشريحة الاولى هي الأوسع والأشمل سمة ميزت المواقف الرسمية والشعبية العربية إزاء العديد من القضايا الداخلية والخارجية ففي معظم الأحيان سحقت المقترحات والأفكار والبرامج البديلة للمشاريع الخارجية تحت مداحل هذا الجدل, وحالة الواقع العربي المزرية على أكثر من صعيد تعبر بشكل واضح عن هذا الأمر .
فمن الطبيعي والمفروض أن يرفض العرب مشاريع الإصلاح الخارجية, وخاصة أنها تصدر عن أطراف لا تحظى بالمصداقية, ومنحازة لقوى معادية لهم, وتحتل أراضيهم, ولكن من المطلوب أيضا, ألا يتوقف العرب عند هذا الحد, فمن المطلوب والملح ايضا أن يرى المواطن العربي نشاط مؤسساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية في هذا المجال, وهنا لابد من السؤال عن مصير الخطط والبرامج التي اتخذها القادة العرب في قمة تونس حول الإصلاح والديمقراطية.. وفيما إذا تلاشت تحت وطأة الجدل بين الخارج والداخل?!