والمتابعة, لا تقتضي بالضرورة الاكتفاء بما تم ,بل الأمر يحتاج إلى إضافات أخرى ليكون بمقدور الوعد الجديد أن يوسع من المساحة التي تشغلها الدائرة , بحيث تتلاقى مع الدوائر والحلقات المتتالية من الوعود .
والسؤال هل كتب على الأمة العربية قدرية الوعود, مع الفارق في تلك التي تقدم إليها, وتلك التي تقدم للآخرين على حسابها?!
تزخر الذاكرة القريبة والبعيدة بعشرات الوعود, وكل مالاقاه العرب كان أبخرة تلك الوعود المقدمة إليهم, وكوارث من تلك التي تقدم لغيرهم.
في بدايات القرن الماضي وعد العرب بالاستقلال والحرية, فكان التقسيم والتجزئة والانتداب والاحتلال, وفي نهايته وعد العرب بالديمقراطية,فكان الاحتلال في العراق والمشهد الدامي المستمر في فلسطين.
وفي التوازي معها كان وعد بلفور ينجز خطواته ليغتصب فلسطين, واليوم وعد بوش يغتصب ما تبقى من حقوق الفلسطينيين.
والمقارنة مرة أخرى تبدو مريرة, بل وشديدة المرارة إلى حد التوهم, أن ما يجري, ومايطلق من وعود, ليس أكثر من سيناريو آخر للمأساة, وعلى العرب قبول فصولها, والاكتفاء بالدعاء, ألا يكون الأسوأ هو ذاك الذي لم يأت بعد.
عندما كان بوش يعطي وعده لشارون, كان هذا الأخير يطلق العنان لدمويته كي توغل قتلا في الفلسطينيين, واليوم يستعيد الوعد, ليستقوي فيه على متطرفيه والعالم, وكأن وعد بوش مستمد من قوة إلهية لا يجوز لأحد الاعتراض عليه.
وذهب شارون إلى أبعد من ذلك, حين انطلق خلف ذلك الوعد, ليقدم صورته الراهنة, كما هي في الماضي, وأن اللاءات الشهيرة, لم تستبدل, وكل ماجرى هو تعديلات في الأسلوب ليس أكثر .
وهناك من يراهن على أن خطابه الأخير في مؤتمر هرتسليا, كان المكاشفة الأخيرة لكثير من الحقائق, وهي مكاشفة حملت في طياتها كل الأبعاد الخطيرة التي حاول البعض التستر عليها أو تجاهلها.
وتبدأ بسلسلة من الأفكار وتنتهي بجملة من الخطط الالتفافية الملتوية التي تجعل من عملية السلام والمفاوضات أثرا بعد عين, وتذهب بالجهود الدولية والمناخ المتفائل مجرد سراب خادع.
هكذا تدير القوة العظمى مفرداته السياسية, لتكون سلطة الوعود, جزءا من سلطة الهيمنة, وليكون الوهم أحد أساليب الاستلاب الضرورية في ظل احتكار كامل للموقف والرأي وحتى الفهم .
ربما لم تكن المعضلة الوحيدة هي تلك المتمثلة في افتقاد الوعد للمبادئ والموضوعية الاخلاقية, ولكنها أيضا في التصور الامبراطوري لهيكلية المعطى الدولي بتفاصيله الصغيرة, كما هو في عناوينه الرئيسية مجرد أحجار شطرنج تتحرك على رقعة منبسطة من التفاهمات.
غير أن ذلك لابد من أن يأخذ في إ طاره العام الكثير من الإفرازات والتراكمات التي طالما كانت جزءا من مؤشرات عامة تسوق في منظومة متكاملة تشكل التداعيات الجزء الأكبر منها .
ومثلما كان الفهم القاصر أداة لحصر المفاهيم والمصطلحات,فهو كذلك يعبر عن مأزق القراءة التفصيلية للتاريخ, الذي يظل شاهدا رغم محاولات الإقصاء حينا والتغييب في أغلب الأحيان .