وكلما تفاقمت الأوضاع وازدادت تأزماً وتعمقت مآزقهم السياسية والعسكرية والاقتصادية, بفعل نهج الغطرسة والعناد وركوب الرأس والاحتلال القائم, الذي يستبيح كرامات الناس وحرياتهم ودمائهم ويجهز على ما تبقى من البلد الشقيق وبناه ومؤسساته, في سياق حرب ظالمة سقطت كل ذرائعها وشعاراتها, وافتقدت إلى المشروعية الأخلاقية والقانونية, أن يعودوا إلى سياسة الهروب إلى الأمام والبحث عن شماعات ومشاجب يلقون عليها مسؤولية التدهور الحاصل والفشل في احتواء الوضع وتمرير السياسات والمخططات المرسومة, تلك التي تمت المجاهرة بها أمام الدنيا قاطبة, وظل تطويع المنطقة وخلق وقائع ومعادلات على أرضها تسمح بإعادة رسم خارطة جديدة لها تلبي الأطماع الأميركية - الصهيونية الهدف المحوري لها.
من هنا يمكن فهم دوافع وأهداف الحملات المفرطة والاتهامات الملفقة الموجهة لسورية بتناغم وتوقيت لافتين, وبتكرار تعمد كما في كل مرة إخفاء الحقائق وتضليل الرأي العام, وحجب أنظاره عما يجري فعلاً على الساحتين العراقية والفلسطينية, من تدمير كارثي وقتل مبرمج للحياة, ودفع في اتجاه إبقاء المنطقة في دائرة العنف والتوتر والفوضى وعدم الاستقرار, وتحت سطوة إرهاب القوة العسكرية الغاشمة وثقافة الغزو, والحؤول دونها ودون السلام الذي تنشده عادلاً وشاملاً, باعتباره النقيض لمفاهيم وعقائد العدوان والاحتلال.
لقد أكدت سورية مراراً وتكراراً حرصها على وحدة العراق أرضاً وشعباً وعلى أمنه واستقراره وفي رؤيته حراً سيداً مستقلاً يمارس حياته الطبيعية ودوره في محيطه القومي بعيداً عن الضغوط والتدخلات الخارجية, باعتبار ذلك لا يشكل مصلحة له ولشعبه فحسب وإنما مصلحة لسورية والمنطقة, وانطلاقاً من ذلك سعت وتسعى بكل جهدها وإمكاناتها لمساعدته على تجاوز المحنة ووقف حالة التدهور والنزف, واجتياز العملية الانتخابية القادمة بنجاح, وتوافق جميع أبنائه, وهي في كل ذلك تتصرف وفق مبادئها وتوجهاتها وبهدي سياسات ومواقف مشهود لها بالمصداقية والثبات والالتزام بمساندة الأشقاء ونصرتهم أياً كانت التبعات والتضحيات, والترفع عن المصالح الأنانية الضيقة والسقوط في أفخاخ الخلافات والتناقضات الهامشية, تلك التي يعول عليها الأعداء ويضرمون نيرانها أملاً في تحقيق المزيد من الاختراقات والشروخ في الجسد العربي, وإنهاكه وتكريس حالة الضعف فيه وتشتيت الجهد عن قضيته المركزية.
أولئك الذين يتقصدون اليوم الإساءة إلى سورية وتشويه مواقفها واستمرار العزف على أوتار أطراف خارجية معروفة وبأوامر وتحريض منها, وتلفيق اتهامات لا تستند إلى أساس, يعرفون في قرارة أنفسهم ويدركون جيداً حتى وهم يسوقون حملاتهم الظالمة, أن ليس بإمكانهم الإقناع والإثبات وتقديم الصور المغايرة للواقع والقراءات المقلوبة للأمور, التي تفضح الأسباب الحقيقية الواقفة خلف تدهور الأوضاع في العراق, وتؤكد بصورة قاطعة وجازمة أن انعدام الأمن وفقدان الاستقرار, وإغراق الساحة في الفوضى والدم والنزف البشري والمادي, على النحو المأساوي والكارثي الجاري وبشمولية وتعميم لا يوفر أحداً, هو النتاج الطبيعي لمنطق لغزو والاحتلال ومسؤوليته الكبرى والحصرية التي لا يستطيع التنصل منها, وليس بمقدور التهم الملقاة يمنة ويسرة إخفاؤها والتقليل منها, ولا من حجم التعثر والفشل الذي تواجهه وتصطدم به مشاريعه على الأرض.
والأجدى بهؤلاء اللاهثين وراء الأوهام وسراب الخداع والتضليل, أن يمتلكوا الجرأة ويقروا بالحقيقة ولو كانت مرة ومؤلمة ومفجعة, ويلتفتوا للمعالجة الموضوعية للمشكلة القائمة المتمثلة بالاحتلال, وبالصورة التي تسمح بالخروج من المستنقع قبل فوات الأوان, وترك الشعب العراقي يمارس حقه السيادي واتخاذ القرار المستقل, والإتيان بمؤسسات شرعية منتخبة تلبي طموحاته في الاستقلال والحرية.