ووجه المفارقة هنا أن تطلق صفة الإرهاب على تلفزيون المنار في وقت ما زال فيه مفهوم الإرهاب والإرهابيين قضية خلافية في العالم من حيث المعنى والتوصيف, حيث يقف الفكر السياسي العربي على طرفي نقيض يؤيده بذلك الفقه القانوني الدولي, من الفكر السياسي الغربي بوجهيه الأميركي والأوروبي حيال مفهوم الإرهاب, إذ يرى الأول هذا المفهوم قائماً في مختلف صور الاعتداء التي تطول المدنيين الأبرياء وتشمل كل أشكال تهديد استقرار الشعوب وأمنها وحقوقها الثابتة في السيادة والاستقلال والتصرف بثرواتها,التي يشكل الاستعمار والعنصرية والاحتلال وسياسة القوة والتدخل مصادرها الأساسية,فيما يرى الفكر الغربي المفهوم نفسه قائماً في نزوع الشعب إلى مقاومة مختلف أشكال التهديد التي تستهدفها عبر فضح جوهرها العدواني بالكلمة الحرة وكشف الأقنعة الزائفة التي تتخفى وراءها للتضليل عن حقيقتها كتعبيرات حية عن الإرهاب المادي والمعنوي بشكله الحقيقي.
وعلى هذا فإن الاستنتاج المنطقي الذي يستخلص من قراءة الحملة المغرضة على تلفزيون المنار هو أن الغاية من هذه الحملة تكمن في سياسة خلط المصطلحات والمفاهيم تمهيداً لكم الأفواه العربية الحرة ومصادرة حرية التعبير عن الرأي, وإغلاق أقنية قول الحقيقة في كل ما يحدث على الأرض العربية وضد العرب من انتهاكات صارخة لحقوقهم في السيادة والاستقلال والتحرر والتكتل والتضامن, ومقاومة سياسات التدجين والتركيع والترويض التي تمارس من قبل إسرائىل وأميركا ودول تُدفَع إلى خط مواقفهما, تحت تأثير تقاطع المصالح الاستعمارية وضغوط اللوبي اليهودي والسياسة الخارجية الجائرة لأميركا.
والخطير في الحملة الموجهة ضد المنار الآن أنها لا تستهدف قناة المنار كحالة منفصلة لتبدو مجرد حملة جرى تنظيمها لإسكات المنار وحسب, بل هي حملة من منظومة حملات جرى إعدادها بتنسيق أميركي- إسرائيلي محكم وتشكل باستهدفاتها الفكرية جزءاً من مشاريع تغيير الشرق الأوسط, يستهدف بدوره تغيير الهوية العربية فكراً وثقافة وصولاً إلى إسقاط ثقافة المقاومة من جوهر الهوية العربية على أمل أن يتحول العربي إلى إنسان مدجن على الفكر الاستعماري العنصري لأميركا وإسرائيل, ومن يقف في صفهما, فيقبل بمنطقهما المقلوب وكل سياسات خلط الأوراق والمصطلحات والمفاهيم التي يمارسونها بغية تهميش ما تربى عليه من قيم النضال وحب الأمة والوطن والتضحية بكل ما يملك فداء حريته وسيادته.
وكتحصيل حاصل لهذه الحملة واستهدافاتها البعيدة, فإن قضية المنار بما هي جزء من سياسة إرهابية منظمة وتعبير عن إرهاب فكري سياسي منظم هدفها النهائي هو التعتيم على حقائق الصراع العربي- الإسرائىلي, وتصديق أضاليل الغزو الأميركي للعراق, وتشويه الفكر المقاوم للنضال العربي وتعبيراته الثقافية ووعيه المتقدم, يجب أن تشكل قضية الإعلام العربي بكل وسائله في الداخل والخارج, لأنها التوطئة التي اختيرت بعناية للبناء على نتائجها في الحملات المبيتة لكل إعلام عربي مستهدف لاحقاً بالسياسة نفسها إذا ما كان ينهل من النبع نفسه للفكر المقاوم والوعي السياسي والثقافي العامل على فضح سياسة التغيير التعسفي التي بدأت أميركا تنفذ برامجها بدءاً بغزو العراق, وتضطلع إسرائيل بدور المحرض والمسوغ لها من خلال اتهام العرب بالإرهاب, وتصنيف إعلامهم على أنه معاد للسامية لمجرد أنه يتجرأ على انتقاد إسرائيل وتسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية في كل ما يتصل بالإرهاب المنظم بينها وبين أميركا ضد شعبي فلسطين والعراق.