وجرى الحديث آنذاك عن فرصة تاريخية لتحقيق السلام على المسار الفلسطيني, وها هو العام 2004 يشارف على نهايته والمرحلة الأولى من خارطة الطريق لم يتم الشروع بتنفيذها لجهة الالتزامات الإسرائيلية رغم وفاء الفلسطينيين لنصوص الخطة.
طبعا لم يكن أحد يتوقع -حتى الرئيس بوش- أو ينتظر من الإسرائيليين الوفاء بالتزاماتهم, لكن ذلك لا يعني التسليم بالواقع والرضا به, ولا بد من المرور على الأحداث والمنعطفات الزمنية خلال هذه الفترة, وما رافقها من نكوص وتراجع خطير عن الوعود والتعهدات سواء الأميركية منها أم الإسرائيلية بهدف وضعها في السياق التاريخي للصراع, وكشف زيف الادعاء الأميركي بالحرص على تحقيق السلام بالمنطقة.
والرئيس بوش ذاته سجل مؤخرا أخطر تراجع عن رؤية العقبة, عندما أعلن بعد فوزه بالولاية الرئاسية الثانية أن العام 2008 سيكون واقعيا هو عام قيام الدولة الفلسطينية, ليعطي بذلك ثلاث سنوات إضافية لحليفه أرييل شارون يستكمل من خلالها مخططاته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني قتلا وتدميرا, توسيعا للاستيطان واستكمالا للجدار, على قاعدة فرض وقائع جديدة على الأرض ليبدأ التفاوض مجددا حولها, وليزداد الوضع تعقيدا, وبالتالي استحالة التوصل لحلول إلا على حساب الشعب الفلسطيني.
هذه هي حقيقة رؤية الرئيس بوش, وإذا ما أضيف إليها تفاهمه مع شارون لجهة إسقاط حق عودة اللاجئين الفلسطينيين, فإنها تستحق أن تكون أحد فصول الرؤية الإسرائيلية للحل والتي عبر عنها شارون في مؤتمر هرتزليا الأمني حيث رفض الانسحاب إلى حدود ,1967 وحق العودة, والتخلي عن القدس, وتوسيع المستوطنات بالضفة.. مؤكدا أن ثمة فرصة فريدة أمام إسرائيل من أجل تغيير المعطيات الاستراتيجية لمصلحتها.
المؤسف أن الواقع العربي المتردي, وتمسك بعض الأطراف العربية بخارطة الطريق والوعود الأميركية, والوثوق بالوهم الذي يقدمه شارون, هي معطيات تشكل بمجموعها عوامل إضعاف للموقف الفلسطيني والعربي, ذلك أن التمسك بخارطة الطريق والوثوق بوعود أميركا وأوهام شارون تقدم إيحاء قويا للعالم, ولا سيما لأوروبا -مع تنامي الحديث عن عقد مؤتمر جديد حول الشرق الأوسط- بقبول الحدود الدنيا والتنازل عن القرارات الدولية ذات الصلة, وبالتالي قبول خفض سقف استحقاقات ومتطلبات السلام.
وما ينبغي أن يدركه الجميع أنه رغم استمرار العدوان الإسرائيلي, ومحاولات التلاعب بالحقوق العربية والفلسطينية في ظل انحياز أميركا وغياب القوى الدولية الأخرى وعجز الأمم المتحدة, وتردي الواقع العربي, فإن القضايا العادلة تبقى ملكا للشعوب الحية والمؤمنة بحقوقها, وما من أحد يملك حق التفاوض أو التنازل عنها خاصة ما يتعلق منها بالأرض والمقدسات, فالقدس والجنوب والجولان والدولة الفلسطينية وحق العودة أسس القضية, والقرارات الدولية وأسس مؤتمر مدريد ستبقى مرجعية ثابتة لعملية السلام لا يمكن تغييرها أو استبدالها.