إن المفهوم السائد لهذا المصطلح هو المفهوم الغربي الرأسمالي دون احتمالات أخرى...
وحتى عهد قريب كان الماركسيون يدافعون عن ديمقراطيتهم (الصراع الطبقي والوصول إلى ديكتاتورية البروليتاريا والترجمة العملية لذلك كانت ما عرف بالديمقراطية الشعبية) وكانوا يهاجمون المفهوم الغربي الرأسمالي للديمقراطية. ولا شك أن السقوط المريع للديمقراطيات الشعبية في كل دول العالم (عدا كوبا) أدى إلى اختلال القناعات العقائدية عند الماركسيين وهذا طبيعي.. ولم يقف هذا الخلل في دفعهم إلى حدود التوقف للمراجعة.. بل إلى الموقف الآخر وبحماس شديد ويبدو أحيانا مريبا فعلا.
إن العلمية المفترضة المقترنة بالفكر الماركسي تفترض أن تجعل منه فكرا خلاقا قادرا على مواجهة التطورات العاصفة في الحياة بتطورات فكرية لا تعتمد الالتحاق بموكب الخصوم بحماس لا يملكه حتى الخصوم أنفسهم.
والمشكلة ليس في إعلان العجز الفكري لدى الكثيرين من تحقيق نقلة تظهر للمتابعين رؤية أخرى.. ولا هي في الانصياع الكامل لما تطرحه مدرسة الديمقراطية الرأسمالية الغربية.. بل المشكلة أنهم يتحدثون اليوم عن هذه الديمقراطية ويناقشون بشأنها بالطريقة نفسها التي كانوا يتحدثون فيها عن الماركسية أيام كانوا.. أي: ها نحن نقدم لك الحقيقة العلمية الكاملة وعليك أن تصغي أو (استمع أيها الصغير...)
الحماس نفسه يظهرونه اليوم وربما مرة أخرى يصرخون في وجه من يعارضهم, أن (استمع أيها الصغير) فكما كانت الاشتراكية العلمية وصولا إلى الشيوعية وديكتاتورية الطبقة العاملة حقيقة لا تقبل جدلا!! بل يسألون باستغراب:
هل ثمة من يفاوض على الحرية والديمقراطية..?!
أقول:
مبدئيا لا.. وهي ليست مبدأ وأسلوبا لأناس دون آخرين وإلا لكان بالضرورة هناك من يعادي وهناك من يصادق... لكن.. عندما تلتبس الأمور تحت هذا الرداء الفضفاض (الحرية والديمقراطية) يكون من الضروري جدا أن نتكلم.. نتحاور.. نبحث عن إزالة الالتباس.. فمثلا..
- ماذا نفعل عندما تنتصب الديمقراطية الغربية الرأسمالية شعارا لمهاجمة الشعوب وإذلال البلدان?!
في الغرب أيضا يخشون هذه الديمقراطية..
وفي هذا الشرق المنكوب, في ظرف تاريخي ربما غير مسبوق.. أرى أنه من الضروري أن تلحظ مصلحة الأوطان دون أي فرصة لجعل هذه المصلحة شماعة لاستمرار أنظمة الفساد والعسف والتعدي على الحريات.. لكن.. بين الديمقراطية ووطني أختارهما معا.. وإلا أختار وطني.