للحصول عليها في أوقات الذروة المرورية, أو أن تتقدم بطلب استرحام لسائقها, فقد قررت الاستعانة بصديق, والصديق هنا شرطي المرور الذي استخدم فعلا هيبته الاعتبارية فأوقف سيارة تكسي لكي تشحنني أنا وأغراضي.
ما إن ولجت السيارة, حتى أقلع سائقها محدثا صريرا عاليا وكأنها تولول ثم قال (إلى أين ياست الحسن), قلت إلى السبع بحرات أجابني: طريقي ليست على طريقك فأنا ذاهب لخارج المدينة, سارعته بالقول: فلتجعل طريقك من هناك وما فيها خسارة.
هنا نفخ نفخة تطبخ طبخة ورمقني بنظرات من يشتمني وفتل شاربيه وصرخ غاضبا: (العداد مو شغال) وهذا الطلب دبل الأجرة, قلت كما تريد, ثم تحدث على الهاتف النقال موغلا في استفزازي وانهال بوصلة من الشتائم والردح والكلام غير اللائق على الشرطة والشوارع والركاب والمهنة التي أقسم أن يتركها ليعمل طنبرجي.
في قرارة نفسي كنت أتمنى أن يفعل ذلك مادام قد تجاوز كل الأخلاقيات العامة وضوابط المهنة التي يجب أن يتحلى بها صاحب أي مهنة كانت.
وأخيرا أجبرني على دفع المبلغ الذي يريد, ولكن خسائري لم تكن في المال بل فيما سمعت من كلمات غير لائقة, وفي هذا التعميم المرعب للانفلات اللفظي الذي ترفضه عاداتنا وأعرافنا وأذواقنا, واعتبرت ما جرى لي نوعا من العنف يمارس ضد النساء لأنهن لا يستطعن الرد بالعضلات.
كنت أتساءل ما الذي جرى حتى استبدلنا لغتنا المهذبة بوابل من الشتائم والكلمات المخدشة للحياء والخاوية من معاني الود والتسامح?! هل هي ثقافة الانترنت والنقال والفضائيات التي عممت اعتقادا خاطئا بأن القوة هي في انتهاك القواعد والأخلاقيات والأعراف?!
لا أعرف ما إذا كان مفعول قوانين السب والقذف مازال ساريا, ولكن أمنيتي أن يكون كذلك حتى لا يجتاح طوفان اللغة السوقية أسوار لغتنا الرقيقة والمهذبة, وحتى نحتفظ بحقنا في الرد على أي اهانة لفظية.
وليكن ذلك تحصيناً لمجتمعنا من هذا السلوك المرضي المعدي والذي بدأ يتغلغل كالنار تحت الرماد في تواصلنا اليومي.