شاعر مثل سليمان العيسى لماذا يبكي وهو ينشد (همسة زجل وحنين) عند سنديانة (عين قبي)?
ألم يجد رفاقه تحت ظلالها?!
أما وجد تلاميذه ينتطرونه حتى ينهي القصيدة?
أم بكى لأنه كبر والشجرة كبرت فاتسعت المسافة بينه وبين (الدوّام) الذي كانوا يشوونه في ليالي البرد والنضال والحلم الممتد من المحيط إلى الخليج.?
وأظنه بكى لأنه لم يجد شابا يفترش الطيون ويمسك بالأفق ليغطي الفقراء والمظلومين.. أو أنه بكى لأنه لم يجد البحر تحت السنديانة العتيقة.. بل وجد أشلاء أحلام وحطام آمال تحت الأوراق اليابسة.. وإذ راح (ينبش) الزمن القديم هالته الدموع المتحجرة, وروعه ركام الخيبة.. نظر حوله فوجد بعض أصدقائه ورفاقه ينظرون إليه واجمين عاجزين عن تفسير ما رأى..
يا لهول ما رأى..
يا لهول ما سنرى.
أيها السنديان الصامت في الأعالي متى تستطيع الغناء?
أو متى تستطيع البكاء كالرجال?. يا لدمع الرجال.
***
أظن أيها الشاعر أننا نحتاج إلى أكثر من البكاء.. نحتاج أن نشبه السنديان الذي يشبهك.. ونحتاج أن نتجذر أكثر في الأرض كما تتجذر أنت في القصيدة.
كم نحتاج إلى رفاق مثل رفاقك -يكرمونك ويفتقون ذاكرتك ويسألونك (هل تذكر, أكلنا قتلة تحت السنديانة?)
ونحتاج إلى تلاميذ يؤمنون بنا مثل تلاميذك الذين كبروا.. ومازالوا يشعرون أنهم تلاميذك, يحملون -شنطة القماش المعبأة بالتين اليابس والقصائد والحلم بوطن يمتد من المحيط إلى الخليج وبأمة عربية واحدة, ذات رسالة خالدة ¯ .
كم نحتاج إلى ذلك الإيمان الراسخ بنا.. بقدرتنا على النهوض من تحت الرماد.. كم يلزمنا من الأحلام حتى تمسك بأيدينا وتمشي بنا نحو الضوء.. مللنا الظلام. كرهنا الظلام.. أتعبتنا العتمة التي تندلق على أرواحنا.. ألم تر سنديانتك صامتة?
ألم ترها واقفة حائرة.. ربما أدهشها عزمك وإيمانك بالمستقبل القادم.. وربما أدهشها أنه -وفي هذا الزمن اللامنتمي- هناك من ينتمي ومن يكرم المنتمين ويقطف لهم الورود عن طرقات الطفولة التي ضاعت بين الوديان والجبال والسنديان.. مرة من الخوف ومرة من عصا الجلاد ومرات لزرع الثورة على الأسطحة الترابية المنهكة من الشقاء والظلم, علها تنبت كما القمح على البيادر.
***
لا عليك إذا رأيت الدموع في عيني سليمان العيسى أو في عيني سليمان حداد.. إنها دموع اللقاء بطفولة غابرة.. بعد ذلك ستنقلب الدموع إلى زجليات مليئة بالحماس القومي وإلى عتابا يتبادلها الشاعر مع (أبو بسام) تبتسم شجرة السنديان وتصفق حجارة الرعش والأدراج.. تدور الدبكة والكؤوس.. في تلك اللحظة لا أدري لماذا شعرت برغبة شديدة بالبكاء.. أين نحن من جيل سليمان العيسى?! حيث الإيمان الثابت بالانتصار القريب, نحن جيل مهزوم يا سيدي.. كم أود أن تخلو الساحة الآن وأبقى أنا وشجرة السنديان.. أحكي لها عن أحلامنا الضائعة, تحكي لي عن الذين مروا ها هنا وحفروا أسماءهم على صخرة الزمن ثم عادوا من جديد.