يندرج في إطار المبادرات اللافتة التي تسهم في نمو الوعي الإعلاني, والسعي إلى ترسيخ أهمية هذه الصناعة ودورها في ترويج السلع والخروج بها إلى الأسواق الخارجية, كما ويشجع الملتقى على تطوير أداء ومستلزمات هذه الصناعة وجعلها تحاكي ماوصلت إليه مثيلاتها في كثير من دول العالم .
والحديث بشيء من الإيجابية الخالصة حول هذه الأنشطة والتشجيع على تكثيف حضورها يتكئ على أمرين أساسيين, الأول: قصور الفكرة الإعلانية في بلدنا, وافتقادها لعناصر الإقناع وجذب أنظار المستهلكين , الثاني: تواضع فواتير الإنفاق الإعلاني قياسا بمثيلاتها في أكثر من دولة على وجه المعمورة, وفيما خص الأمر الثاني, ثمة حقائق وإحصاءات رسمية تشير الى مراوحة هذه الصناعة في مكانها, على الرغم من تحسنها النسبي في السنوات الأخيرة, ففي الوقت الذي تشير فيه الأرقام, أن الإنفاق الإعلاني العربي الإجمالي وصل الى حدود 700 مليون دولار خلال عام 2003 , فإن حصة سورية منها لم تتجاوز رقم 30 مليون دولار في أحسن الأحوال , وهي نسبة متواضعة بالمقارنة مع أرقام بلدان الخليج العربي ولبنان وبعض البلدان العربية الأخرى , وهذا الأمر, إن دل على شيء, فعلى أن شريحة واسعة من الصناعيين والتجار ورجال الأعمال في القطاع الخاص مازالوا ينظرون إلى الإعلان كما لوكان شيئا زائدا وهامشيا لا ضرورة له, في حين أن هذه النظرة خاطئة وقاصرة في زمن تسود فيه الليبرالية واقتصاد السوق والإغراق السلعي وتحطيم جدران الأسواق.
فبغض النظر عن كل مايقال حول دور ثقافة الإعلان في تنمية روح الإستهلاك , أو تقديم السلع غير الضرورية كما لو كانت حاجات ضرورية , فإن الحقيقة الفعلية التي لا تقبل الجدل في زمن تسيد العولمة, هو أنه كلما زاد الإنفاق الإعلاني, كلما شهدت هذه الشركة أو تلك مزيدا من الإقبال والأرباح , أي أن الإنفاق في هذا الجانب هو بمثابة استثمار فعلي, تندرج فواتيره وأرقامه ضمن حساب تكلفة أي سلعة, وهي ليست أموالا مبددة مثلما يعتقد البعض.
والقطاع الخاص الذي يواجه مشكلات لا حصر لها في تسويق منتجاته ليس وحده الذي يواجه قصورا في الإنفاق الإعلاني , وإنما ينسحب الأمر وبوتائر أعلى على مؤسسات وشركات القطاع العام, فهذا الأخير وبمنأى عن الكثير من الملاحظات التي يمكن تسجيلها حول منتجاته وعدم قدرتها على الدخول في ميدان المنافسة , فإن غياب الإنفاق الإعلاني أسهم بطريقة أو بأخرى في جعل بعض منتجاته ذات المواصفات الجيدة بعيدة عن ساحة التسويق والمنافسة, ويكفي التذكير , أن وزارة المالية, وكلما رأت في السنوات الأخيرة, أن هناك ضرورة لترشيد الإنفاق العام, فهي لا تجد حلا أو مخرجا سوى مطالبة المؤسسات والشركات الحكومية بتخفيض الإنفاق الإعلاني, وهي بهذه الآلية تتعاطى مع هذا البند الذي تقره القوانين, كما لو كان أمرا كماليا يمكن الإبقاء عليه وحذفه في آن .
في عالم, تنمو فيه دعائم وركائز اقتصاد السوق, ويتواتر فيه حضور الصورة والألوان والموسيقا والابتسامة المعلبة والرشاقة والأناقة , فإن صناعة الإعلان تلعب دورا في تحديد الخيارات السلعية, ما يعني أن الحاجة الفعلية للنهوض بها تستدعي حضور أصحاب الكفاءات , من الذين تمكنهم قدراتهم على إبداع الفكرة وخلقها, وليس تقليدها أو إعادة انتاجها بقالب أقل ما يمكن وصفه بالمشوه .!