وكذلك, ماذا كان يضير الحكومة لو أنها استبعدت الحاجات الاستهلاكية اليومية من حساباتها?!
في حقيقة الأمر, إن هذه الأسئلة وسواها ستبقى مشروعة, ما دام أنها تمثل حديثاً ساخناً في أوساط الرأي العام, وتشكل قاسماً مشتركاً من جانب أغلبية شرائح المجتمع, وفي هذه الزاوية لن نستفيض في مناقشة الرسوم المفروضة على منتجات وسلع مثل, المعادن الثمينة والسجاد المستورد والأدوات الكهربائية, والسيارات السياحية.. فهذه المنتجات وغيرها, قد يقبل البعض على شرائها مرة أو مرات طوال حياته, والبعض الآخر قد لا يقبل على شرائها أبداً مثل - السيارات -.. وفي كلامنا لا نقصد لا من قريب ولا من بعيد أننا من مؤيدي رفع رسومها, وإنما نحاول ما أمكن توجيه الأنظار باتجاه الأولويات, أي السلع التي تزيد من إرهاق الجيوب أكثر ما هي مرهقة ومتعبة في آن.
والسلع التي كان يتعين عدم إخضاعها لأي رسوم لا تمثل ترفاً استهلاكياً, وإنما هي حاجات غذائية يومية لا يستغنى عنها, مثل: السكر والبن والشاي والملح والموز والشوكولا والبهارات والسمون الحيوانية والزيوت والسمون النباتية والحيوانية.. وإذا كان البعض من الذين أنيطت بهم مسؤولية صوغ مضامين الجداول الملحقة بالمرسوم, لا يجد ما يبرر ضرورة استبعاد هذه المواد, بسبب رسومها المنخفضة والتي لا تتجاوز ال¯(5) بالمئة, فإنه يمكن التذكير بهذه الحالة, إن رسوم الزيوت والسمون تصل إلى (33) بالمئة, ولما كانت هذه الزيوت والسمون تدخل في تركيب صناعة بعض الأطعمة الغذائية مثل الحلويات والمعجنات, فإن ذلك سيعني, أن نار الأسعار ستخرج من دائرة الجداول المقرة لتطال ألسنتها قوائم كثيرة ليست في الحسبان.
في كلامنا هذا لا نطالب الحكومة في التخلي عن الرسوم والضرائب.. فنحن وكغيرنا نتلمس أهميتها وضرورتها في رفد خزينة الدولة ورفع وتائر التنمية, مثلما ندرك أيضاً, أن أغلبية دول المعمورة تفترض رسوماً حتى على أسعار أكواب القهوة والشاي في المقاهي العامة.. لكن ولأن الهوة بين حقيقة الرواتب والأجور ومتطلبات الحياة المعيشية لم تردم بعد, فإنه كان يتعين البحث عن مطارح أخرى.. ولا نبالغ لو قلنا: إن مجموع الرسوم المقرة على المواد الغذائية, لو أضيفت على ذات السلع غير الغذائية, لظهر الأمر كما لو كان عادياً بعض الشيء, فالذين تمكنهم ظروفهم وإمكاناتهم المادية من شراء سيارة سياحية, أو اقتناء معادن ثمينة, أو إكساء منازلهم بالمرمر الخالص وتزيينها بمصنوعات الكريستال.. هؤلاء, لن يسألوا في نهاية المطاف, فيما إذا ارتفعت أسعار السمون والزيوت أو السكر والبن, وإنما سيأخذهم هاجس الاستفسار عن أفضل الأمكنة و(المنتجعات) التي سيقضون فيها, إما الإجازة الشتوية المرتقبة أو مناسبات أعياد الميلاد ورأس السنة.
... ولأن حدسنا المهني غالباً لا يخطئ, فإن المؤشرات والدلائل الأولية تقول ألا عودة مأمولة عن بعض مضامين مرسوم الإنفاق الاستهلاكي, ولأن الأمر على هذا النحو, فإن سقف مطالب المستهلكين ستتمثل في المستقبل القريب, بضرورة استنهاض جهود الجهات الرقابية بهدف ضبط الأسواق, ذلك أن أشد ما يخشاه المستهلكون, أن تدب الفوضى في الأسواق إلى حدود تنتقل فيها عدوى رفع الأسعار إلى سلع ومنتجات لم تأت على ذكرها الجداول الملحقة بالمرسوم لا من قريب ولا من بعيد.