وإذا كانت الرغبة في توظيف ذلك المشهد في السباق الانتخابي الأميركي الذي تقترب عجلته من خط النهاية, فإنه من غير المقبول أن يتحول مصير العراق ومستقبله إلى بورصة مزايدات للأميركيين, في وقت يحصد فيه القتل الأميركي المزيد من أرواح أبنائه, ويزداد المشهد دموية دون مبرر.
ولعل الاستخدام الأميركي المفرط للقوة, وتعمد التصعيد مع تصاعد وتيرة السباق الرئاسي الأميركي, يفرز تلقائياً معادلة متناقضة الطرفين, بل هي في الواقع حصيلة أخطاء تتراكم إلى حد الحماقة.
إذ يصعب تخيل مردود ذلك اللغط, في حين أن الحاجة تفرض مزيداً من الوضوح, ويصعب فهم دوافع التصعيد في وقت تقتضي مصلحة الرئيس بوش الكثير من الهدوء.
والأكثر من ذلك السيل اللامتناهي من الطروحات التي لا تتناقض مع خط الأوامر الذي انتهجته تلك الإدارة فحسب, بل أيضاً يكاد أن يلغي الكثير من خطوط الاستراتيجية التي اتبعتها.
والسؤال, هل على العراق أن يتحمل فاتورة السباق الرئاسي الأميركي, وهل عليه أيضاً أن يدفع ثمن أخطاء الاستراتيجية الأميركية, وهل هو مضطر للانتظار إلى ما لا نهاية, بينما شلال الدم فيه يتحرك صعوداً, ومؤشرات الأمن والاستقرار تزداد هبوطاً?!
قد تكون هذه هي الأسئلة الملحة في ذلك المشهد الذي يمتد بدون نهاية, وفيما الاحتلال يترجم عقده على الأرض قتلاً وتدميراً, يتحول العراقيون إلى حقول اختبار لكسب أهواء الأميركيين.
ومع ذلك ثمة من يطرح الإشكالية بمنطق آخر, ويختلق للقصة أجنحة, ويطيل تلك الأجنحة, بل يبالغ في إطالتها, والمغالطة أنه ينسى دروس التاريخ ويتجاهلها إلى حد التوهم بأن النهاية التي بشرت بها فاشية فوكوياما, قد اقتربت, فيما صراع هنتينغتون المتورم, يدخل في نفقه الأخير.
والمناظرة الأولى ستكون الشاهد الأول على استسهال مصير الشعوب, بل كيف يتحول إلى يافطة للمزايدة وحتى تبادل الاتهام, متوهمين بأن الأميركيين سيختارون - إلى حد كبير - وفقاً لاتجاهات ذلك الاستسهال, وربما على شكل اليافطة!
إن الحقيقة التي لابد من إدراكها, بل والتعاطي معها بمنتهى الجدية, أن مصير الشعوب ومستقبلها ليس سوقاً للمضاربات السياسية, وأن حياة هذه الشعوب لا يمكن أن تكون الرافعة لوصول هذا المرشح أو ذاك إلى البيت الأبيض.
ومن يتوهم غير ذلك, يكون قد بالغ كثيراً في مغالطاته, بل وانجرف أكثر في أخطائه, حيث الواقع السياسي مهما كانت الضبابية تحيط به, لابد أن يتعاطى مع هذه الحقائق.
قد يكون توقيت التعاطي موضع نقاش وحتى تساؤل مشروع, لأن اللحظة قد تبتعد لبعض الوقت, ولكنها لن تبتعد إلى ما لا نهاية, وتلك هي أكثر أوجه الحقيقة التي تحتاج إلى تكريس وترسيخ, ومن يراهن على غير ذلك فإن مصير رهانه ليس بحاجة إلى إثبات.