فالزيارة تهدف أولاً إلى تعزيز علاقات التعاون الاقتصادي وترسيخ الأسس التي تم الاتفاق على بنائها في الماضي, ولا سيما أن الحكومتين السورية والتركية لديهما الرغبة الكاملة برؤية نتائج مثمرة ومفيدة على أرض الواقع سواء لجهة تحقيق قفزة نوعية في حجم التبادل التجاري-لا تقف عند حد الملياري دولار كما هو مخطط لذلك- أم لجهة إيجاد الأرضية المناسبة لفتح آفاق واسعة وجديدة في المجال الاقتصادي وتطويرها لاحقاً وبشكل ينسجم مع مرحلة التطوير والتحديث التي أطلقتها الحكومة السورية ومسيرة الإصلاحات التي يتبناها حزب العدالة والتنمية وحكومة أردوغان على الساحة التركية.
والزيارة تهدف ثانياً إلى بحث آخر المستجدات في المنطقة ولا سيما في العراق وفلسطين, فقد تميزت المرحلة السابقة ببروز مجموعة من الأحداث الخطيرة التي تستهدف وحدة العراق وتهدد مستقبله وتؤثر على جواره الجغرافي بما يتناسب مع طموحات إسرائيل وأطماعها التوسعية, ما يستدعي من دمشق وأنقرة التشاور الدائم والتنسيق المتواصل لدرء هذه المخاطر وإبعاد شبحها عن المنطقة بكاملها.
فسورية وتركيا هما الدولتان الأكثر تماساً مع العراق عبر حدودهما البرية الطويلة معه, وهما البلدان الأشد حرصاً على وحدته أرضاً وشعباً, ففي كل مرة تشتد فيها الهجمة الشرسة على أمنه وتحاول الجهات -التي لها مصلحة في تفكيكه وشرذمته إلى كيانات هزيلة- أن تعبث بهذا الأمن, تسعى حكومتا البلدين للحفاظ على استقراره وأمنه إما باتخاذ الإجراءات الضرورية على أرض الواقع أو بالإعلان عن دعمهما ليكون العراق بلداً حراً ومستقلاً وديمقراطياً ومتجاوزاً لمحنته.
وإذا حاولنا إحصاء المواقف الإيجابية للبلدين الجارين من هذه القضية فإننا نجد أنها بدأت مع معارضتهما للاحتلال منذ التخطيط له, وإصرارهما آنذاك على حل الأزمة بالطرق السلمية, وقد توجت أنقرة مواقفها تلك بعدم السماح للقوات الأميركية بغزو العراق انطلاقاً من أراضيها, ورفضها لاحقاً إرسال قوات تركية إلى الأراضي العراقية لمساعدة قوات الاحتلال في إحكام قبضتها على الشعب العراقي.
ومثلما وقفت دمشق وأنقرة ضد الحرب وطالبتا بإنهاء الاحتلال وإعطاء دور حقيقي للأمم المتحدة في إعادة إعمار العراق, فإنهما كانتا متفقتين على ضرورة قيام السلام العادل والشامل في المنطقة انطلاقاً من انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة كافة وتنفيذها لقرارات الشرعية الدولية.
من هنا تأتي أهمية زيارة أردوغان لدمشق, وخصوصاً أن الموقفين السوري والتركي يتفقان على العديد من النقاط والقضايا, وأن البلدين لا تر سم علاقاتهما التضاريس الجغرافية وحدها, وإنما الرغبة المشتركة بتطويرها لمصلحة الشعبين الجارين.