ولهذا فإن هذه الأواصر القائمة بين شعبي سورية وتركيا عبر التاريخ وفرت أحد أسباب التطور الحاصل في العلاقات السورية-التركية وتعزيز هذا التطور الذي يتطلع إليه البلدان الجاران سورية وتركيا من خلال الزيارات المتبادلة لقيادات البلدين ومن خلال لقاءات الأهل وتنشيط التعاون الاقتصادي, إضافة لتنسيق المواقف السياسية في وجه التحديات والأخطار المشتركة.
وعشية زيارته إلى سورية لمّح السيد رجب طيب أردوغان -رئيس الوزراء التركي- إلى تأثير صلات القربى والروابط الناشئة عنها بين الشعبين السوري والتركي في تطوير العلاقات الثنائية بالقول (إن الشعبين التركي والسوري إخوة تربطهما أواصر قربى وروابط تاريخية وثقافية ودينية واجتماعية مشتركة ومن أجل تعزيز هذه الصلات والقرابات لابد من زيادة تبادل الزيارات بين الإخوة والأهل في تركيا وسورية).
وضمن سياق هذا الفهم التاريخي لطبيعة الصلات التي تربط بين سورية وتركيا, تبرز أهمية الزيارة التي يقوم بها رئيس الوزراء التركي لسورية,إذ تأتي خطوة مهمة لترسيخ حقائق التاريخ حول روابط البلدين والأهل فيهما, واعتبار ذلك أساساً لا غنى عنه لشق الطريق أمام تطوير مضطرد للعلاقات ينعكس خيراً على الشعبين الجارين والأخوين كما وصفهما أردوغان.
على أن أهمية هذه الزيارة لاتقف عند حدود هذه الأبعاد الاجتماعية لها فقط, إذ تنطوي إضافة إلى ذلك على أبعاد سياسية غاية في الأهمية لما تشكله من مناسبة مهمة لدراسة تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية واتخاذ مايلزم من مواقف مشتركة حيال التحديات التي تفرزها وتتأثر سورية وتركيا بها بحكم أنهما جزء من المنطقة وعلى احتكاك مباشر بأهم أحداثها وتطوراتها.
وطبيعي أن يكون الوضع العراقي وتطورات القضية الفلسطينية وآفاق عملية السلام من أهم الموضوعات الحاضرة في جدول زيارة أردوغان, نظراً للتأثير البالغ لكل من هذه القضايا على استقرار المنطقة وأمنها, ونظراً لتأثير دور كل من سورية وتركيا كدولتين ذات ثقل إقليمي ودولي كبير في مواجهة التحديات الناشئة عن هذه القضايا ,وفي المشاركة بصوغ الحلول الموضوعية لها عبر مواقف مشتركة ورؤى موحدة, وعلى النحو الذي أشار إليه رئيس الوزراء التركي في معرض توضيح أهداف زيارته بالقول (إن مواقف تركيا وسورية متشابهة تجاه قضيتي العراق وفلسطين ونحن نتعاون معاً في المؤسسات والمنظمات الدولية..)
إن كون سورية وتركيا دولتين إقليميتين تحملان رؤى مشتركة ومواقف متشابهة حيال قضايا المنطقة, تقوم على ضمان وحدة العراق أرضاً وشعباً وحقه في السيادة والاستقلال التامين, وعلى أن الحل الوحيد لقضية الصراع العربي الإسرائيلي يكمن في السلام المبني على الانسحاب الإسرائيلي الكامل والاعتراف بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني, يجعلهما تواجهان تحديات مشتركة نتيجة لشفافية رؤيتهما ومواقفهما حيال قضايا المنطقة مبعثها ثبات إسرائيل على سياسة الرفض للسلام العادل وانحياز أميركا المفرط لإسرائيل واتهام كل دولة لا تقف إلى جانب أميركا في احتلالها للعراق ولا تسكت عن جرائم إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني, بأنها في الخندق المعادي لأميركا وإسرائيل.
وهذه التحديات المفروضة على سورية وتركيا تستوجب من كليهما معاً رفع وتائر تنسيق مواقفهما وصولاً إلى سياسة مشتركة تضغط باتجاه تأكيد أن مرد التوتر في المنطقة ودفعها الدائم إلى حالة الغليان يعود أولاً وأخيراً إلى النهج العدواني التوسعي لإسرائيل ومحاباة أميركا للسياسة الإسرائيلية على حساب الحقوق العربية واستقرار المنطقة,وكذلك لاحتلال العراق بحرب خاطئة عليه.
ومن واقع هذه الأوضاع كلها, وواقع الدور المؤثر والفاعل لسورية وتركيا إقليميا يتم النظر إلى زيارة أردوغان على أنها زيارة مهمة وتاريخية لما تحمله من آمال في تعزيز علاقات التعاون وبلوغ مراحل متقدمة على طريق تنسيق المواقف السياسية للبلدين الأخوين والجارين.