تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر

Attr

الخميس 23/12/2004م
أنيسة عبود
أخيرا سكنت في حارة الأكابر. بعد أن كنت أسكن حارة تشبه قريتي إذ أن الجيران يعرفون بعضهم ويسألون عن الأحوال..

ويطاردون من يعترض فتاة من الحارة, ويقفون يدا واحدة ضد الذي يعتدي على أي جار. لم يكن هناك الكثير من الأسرار ولا الكثير من الأبواب المغلقة بينهم حتى أن قصص الحب الجميلة كانت تنتشر بسرعة وكانوا يرعونها ويحترمونها.‏

وفي الحارة القديمة كان العيد يأتي إلى كل البيوت فتصير الحارة أسرة واحدة تتبادل المعايدات وتتبارى بصناعة الحلوى المنزلية. وكنا نحاول تقليد حارات الأكابر كما كنا نتصورها.. حيث كنا نظن أن الأكابر لا يتركون نفايات على الأبواب, ولا يتساهلون في مسألة الضجة.. ولا يقذفون من الشرفات الأكياس السوداء التي تحط على رؤوس العباد.. وكنا نظن أن أولادهم -أي أولاد الأكابر- مهذبون, أنيقون. لا يسمع لهم صوت ولا حركة.. لذلك أخذنا نربي أولادنا على هذه الطريقة بحيث يعتذر الطفل مع ضجته وسلوكه العفوي.. بصراحة كنا نحاول التشبه بحارة الأكابر ونلوم الجارة التي تترك درج بيتها ملفوفا بالأوراق وأكياس النايلون أو ننتقد بشدة من تمرُّ دون انتباه إلى السمان لتقول له صباح الخير.. أو إلى الجارة التي لا تساعد جارتها في إعداد التبولة إذا كان هناك وليمة.. أو على الأقل تستقبل أولادها لترتاح منهم قليلا وهي تعد الطعام.‏

كنا نوصي بعدم رفع صوت الراديو.. أو التلفزيون.. أو عدم الوقوف طويلا على الشرفات حتى لا نحد من حرية الجيران. وفي حارتنا القديمة كنا نضحك على جارتنا سعدية لأنها تريد أن تقلد الأكابر -على حد زعمها- دون إرسال خبر مع ابنة الجيران. وكانت تتبرع دائما بتأنيب أولاد الحارة الذين يزعقون ويركلون الطابات على الجدران.. وكانت تعاتب جارنا الذي يترك العنان لزمور سيارته كي تتنبه زوجته وتنزل من بيتها.. لم يكن أحد يزعل منها وهي تقول: صيروا أكابر.. صيروا أكابر.‏

ولأنني سمعت عن الأكابر كثيرا صرت أحلم أن أترك الحارة وأسكن حارة الأكابر.. إلا أنني فوجئت وتمنيت لو أعود إلى حارتي أو إلى قريتي حيث المحبة والألفة والتعاون.. وحيث تلك البساطة والعفوية والنظافة.‏

كنت أظن أنني أنتقل من قريتي إلى المدينة الفاضلة. إلا أنني اكتشفت العكس تماما. ففي حارة الأكابر غير مطلوب منك أن تصبّح على الجيران وغير مطلوب أن تبتسم في وجه البقال أو السمان.. وليس من اللياقة أن تنظف ا لسيدة درج بيتها.. ولا يحق لأحد أن يسأل لماذا كل هذه القذارة على الأدراج والبوابات.. ولا عليك أن تلقي بنظرة إلى بيت جارك المسافر لتحرسه, بتلك النظرة على الأقل حيث كنا -عندما نسافر- نعطي المفاتيح للجيران ونوصيهم بالمنزل.. هنا في حارة الأكابر حيث الآباء والأمهات جامعيون, مثقفون.. يربون أولادهم على الحرية. فيدقون على رأسك كما الرعد متى يشاؤون.. وقد يلعبون مع آبائهم (الفوتوبول) حيث البيوت فسيحة جدا, والشرفات تلامس بعضها وأكياس الزبالة تهطل من النوافذ الجميلة.. يا إلهي كدت أصرخ.. أهذه حارة الأكابر? أين أشجار الأرصفة? أين نظافة المداخل?! أين الأطفال المهذبون?! أين الجيران?! لا يوجد جيران لأنك قد تسكن الحارة مئة عام دون أن يدق بابك أحد أو أن تعرف من يسكن مقابل بيتك. في حارة الأكابر لا تعرف من هم جيرانك.. ولا يجوز أن ترسل لهم -صحن تبولة- فتكون بذلك ريفيا متخلفا.. وعليك ألا تطلب مساعدة أحد إذاً.‏

 

 أنيسة عبود
أنيسة عبود

القراءات: 30273
القراءات: 30270
القراءات: 30270
القراءات: 30275
القراءات: 30274
القراءات: 30268
القراءات: 30264
القراءات: 30284
القراءات: 30283
القراءات: 30281
القراءات: 30277
القراءات: 30275
القراءات: 30276
القراءات: 30278
القراءات: 30275
القراءات: 30280
القراءات: 30275
القراءات: 30279
القراءات: 30293
القراءات: 30273
القراءات: 30273
القراءات: 30277
القراءات: 30271
القراءات: 30279
القراءات: 30280
القراءات: 30277
القراءات: 30276
القراءات: 30289

 

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية