تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر

Attr

الخميس 23/12/2004م
مروان دراج
قرابة ثلاثة عقود عاشها الشعب الافغاني في ظل حرب دائمة عانى خلالها ويلات الدمار والتشريد وانعدام الامن والاستقرار منذ اندلاع الصراع على السلطة بعد خلع ظاهر شاه في بداية السبعينات وحتى شن الحملة الاميركية لاقتلاع نظام طالبان وتدمير تنظيم القاعدة

مروراً بالوقوف ضد تدخل الاتحاد السوفييتي وما أعقبه من اقتتال مرير بين شركاء التحرير الذين اختلفوا حول توزيع غنائم الحرب من مال وعتاد وسلطة ونفوذ.‏

هذا ما أراد قوله مدير مركز دراسات الشرق الاوسط في جامعة ولاية أوهايو الدكتور (علم بيند) الافغاني الاصل, في محاضرته بعنوان (أفغانستان في مرحلة ما بعد طالبان وما بعد القاعدة).‏

وقد حاول الدكتور (علم بيند) تقديم إطار متكامل لفهم أفغانستان عن طريق بحث العوامل التي كان لها أكبر الاثر فيما آلت إليه الاحوال هناك. وهو يقول أن سمات أفغانستان العرقية والدينية والاجتماعية والجغرافية أدت على الدوام إلى إجهاض محاولات نمو الدولة الافغانية القوية. وازداد تأثير هذه السمات في تشكل ورسم خارطة الاوضاع في أفغانستان خلال الثمانينات والتسعينات, ما ترتب عليه نشأة دولة ضعيفة المقومات, استمرت في الوجود دون سند, وبعد أن باتت هذه الدولة الضعيفة غير ذات أهمية للقوى الكبرى لأسباب استراتيجية, صار النظام ومفهوم الدولة ذاته يتعرضان لهجوم من أسفل ومن أعلى فكل قوى (النزعة القبلية) و(العولمة) تهدد وجود الدولة الضعيفة في الوقت الراهن, بل وكذلك استمرار النظام العالمي الذي يقوم على هذه الدول.‏

وأفغانستان نموذج لهذه الدولة, فهي ضعيفة متشظية دخلت إلى هذه الحالة تزامنا مع صراع الحرب الباردة بين القوى العظمى وانشغال هذه القوى عنها وعن مصيرها, بعد أن وضعت الحرب الباردة أوزارها.‏

كما وضع الدكتور (علم) رؤية نظرية متكاملة بشأن الخصائص المختلفة للدولة الضعيفة للتطبيق على الحالة الافغانية, حيث يرى أن الدولة الضعيفة لها ما يميزها من سمات سياسية واجتماعية وديمغرافية, بل وجغرافية. ومن بين هذه السمات الوجود المحدود للمؤسسات السياسية في المجتمع, والتقسيمات العرقية واللغوية والدينية القوية, وبطء النمو الاقتصادي والاجتماعي, وربما تكون هناك بعض السمات الاخرى, كتزايد عدد السكان مع وجود مشكلات في الموارد تتعلق بمحدوديتها ونمط توزيعها وكيفية تفعيل الاستفادة منها, وتدخل الدول المجاورة أو القوى الكبرى في شؤونها الداخلية نتيجة ارتباطات عرقية أو لغوية, بل كذلك الموقع الجغرافي. والدولة الضعيفة لا تقوى على اختراق المجتمع وتنظيم العلاقات الاجتماعية واستخراج الموارد والاستفادة منها.‏

ويضيف الدكتور (علم) قائلاً: في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة تحديات كثيرة في أفغانستان, فإن السؤال الذي ينبغي أن نسأله لأنفسنا في هذا السياق: ما هو الخطأ في عملية بناء الامم?‏

إن تلك العملية التي كانت في يوم ما تمثل جزءاً لا يتجزأ من أمننا القومي أصبحت في مكان ما -ربما في فيتنام أو الصومال - عملية غير مقبولة, يتبين هذا بوضوح إذ عرفنا أنه بمنتصف التسعينات كان الجميع في واشنطن يقولون أن ما كنا نقوم به في مناطق عديدة من العالم لم يكن في حقيقته عملية بناء للأمم, وهو الاتجاه الذي تسارعت وتيرته بعد الجدل الذي دار حوله خلال المناظرات الرئاسية عام .2000‏

وعلى الرغم من أنه تم بعد ذلك تغيير مسمى بناء الامم بمسمى أكثر قبولاً مثل إعادة البناء في فترة ما بعد الصراع, إلا أن ذلك لم يجعل المهمة أو العملية أكثر استساغة من ذي قبل على الرغم من أنها مثلت جزءاً جوهرياً من سياساتنا في البلقان, كما تمثل جزءاً لا يقل عن ذلك أهمية إن لم يزد في أفغانستان, بل وفي العراق أيضاً عندما بدأنا التحرك ضد النظام السابق.‏

وعلى الرغم من الاخفاق في تنفيذ هذه المهمة في فيتنام والصومال على وجه التحديد, فإن هناك أمثلة مهمة للنجاح في بناء الامم كان أبرزها ما حدث إبان الحرب الباردة في دول مثل اليونان, واليابان وكوريا.‏

وتساءل الدكتور (علم): لماذا لا نتذكر دروس الماضي? لماذا لا نتذكر كيف أن قيام الولايات المتحدة بإدارة ظهرها لأفغانستان عقب رحيل القوات السوفييتية هناك عام 1989 كان خطأ فادحاً ترتب عليه في النهاية ما حدث في 11 أيلول عام 2001? يجب علينا في هذا الصدد التنبيه إلى أنه لا يوجد مجال لتكرار هذا الخطأ في أفغانستان اليوم, نظراً لأهميتها بالنسبة لنا في الوقت لحاضر.‏

وإذا ما حصرنا أنفسنا في حملة عسكرية فإن هذه الحملة سوف تكون عديمة الفاعلية مهما كانت درجة نجاحها بالمقاييس العسكرية, فقيامنا بتمشيط الكهوف, لن يضمن لنا أن الارهابيين لن يعودوا إليها مرة أخرى للتحرك من جديد ضد الغرب, كما أن استمرار الاتجاهات الحالية الرافضة للانخراط في عملية بناء الامة الافغانية سيؤدي في النهاية إلى سقوط ما تبقى منها في أيدي أمراء الحرب وأباطرة تجار المخدرات.‏

مضيفاً أنني لا أتحدث هنا عن خلق دولة ديمقراطية تقوم على نظام الاقتصاد الحر في أفغانستان, ولكن ما أقصده هو أن يتم وضع الدول على طريق الاستقرار, وإعادة البناء والتعمير.‏

كما أنني لا أشير هنا, حتى من بعيد إلى ضرورة قيام الولايات المتحدة الاميركية بتحمل عبء ذلك بمفردها, وإنما كل ما أريد قوله هو أننا يجب أن نقود الطريق, ونتقدم الجميع, وإذا لم نفعل ذلك, فإن الاخرين لن يتحركوا خطوة واحدة إلى الامام.‏

قد يكون الطريق طويلاً, والتكاليف باهظة, ولكن إذا ما كانت أفغانستان مهمة إلى الدرجة التي تدفعنا إلى خوض حرب من أجلها, فإنه من المهم بالدرجة نفسها أن نعمل على تحقيق الاستقرار وإعادة البناء فيها ليس كهدف إنساني ولكن تحقيقاً لمصالحنا الحيوية باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من حربنا على الارهاب.‏

ˆ متابعة: حسن حسن‏

 

 مروان دراج
مروان دراج

القراءات: 30382
القراءات: 30404
القراءات: 30384
القراءات: 30388
القراءات: 30389
القراءات: 30387
القراءات: 30389
القراءات: 30386
القراءات: 30387
القراءات: 30388
القراءات: 30388
القراءات: 30390
القراءات: 30382
القراءات: 30388
القراءات: 30391
القراءات: 30388
القراءات: 30391
القراءات: 30383
القراءات: 30385
القراءات: 30389
القراءات: 30386
القراءات: 30397
القراءات: 30380
القراءات: 30388
القراءات: 30392
القراءات: 30386
القراءات: 30381
القراءات: 30381
القراءات: 30389

 

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية