وإذا كان الاهتمام الإعلامي العربي والدولي الذي سبق الزيارة ورافقها قد غلبه الطابع الاقتصادي, من خلال التركيز على رغبة الجانبين السوري والتركي في مضاعفة حجم التبادل التجاري, والمضي في تشجيع المستثمرين ورجال الأعمال على إقامة مشروعات استثمارية حيوية تعود بالفائدة على مصالح الشعبين الصديقين, فإن الجانب السياسي في الزيارة كان حاضرا أيضا وبقوة,و لاسيما خلال المحادثات التي جرت بين الرئيس الأسد والسيد أردوغان.
فالسيد أردوغان عبر مؤخرا وفي مناسبات متعددة عن موقف بلاده مما يجري في العراق والأراضي الفلسطينية المحتلة, واتخذت حكومته مواقف مشرفة من أعمال القتل والتدمير والإرهاب اليومي الذي تمارسه الحكومة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني في مناطق ومدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة.
وفي مقابلة مع صحيفة المستقبل اللبنانية عشية الزيارة أكد أردوغان أن بلاده ستواصل التعبير عن مواقفها التي تدين وتشجب الإرهاب الإسرائيلي طالما استمرت هذه الممارسات اللاإنسانية ضد الفلسطينيين, وطالما بقي الاحتلال الإسرائيلي في إشارة إلى التوغلات والاستمرار بتوسيع المستوطنات وبناء جدار الفصل العنصري.
وإن دعوات الحكومة التركية المتكررة إلى التعاون الدولي بهدف إحلال السلام العادل والشامل في المنطقة, وإيمانها بضرورة العودة إلى إحياء المسيرة السلمية على المسارين السوري واللبناني هو تعبير عن رؤية استراتيجية لمستقبل المنطقة, وهوما يتطابق مع الموقف العربي المؤيد للسلام وينسجم مع إرادة المجتمع الدولي في تحقيق السلام بالمنطقة استنادا إلى أسس مؤتمر مدريد وقرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام.
كذلك فإن تركيا حكومة وبرلمانا وشعبا اتخذت موقفا شجاعا فاجأ الأميركيين والعالم, ولا سيما فيما يتعلق بغزو العراق واحتلاله منذ البداية, وذلك عندما رفض البرلمان أن يجعل الأراضي التركية منطلقا للحرب والغزو اللا شرعي, كما كان الشارع التركي الأكثر غليانا ورفضا للحرب وفظائعها وللممارسات الأميركية في العراق.
كما تميز موقف أنقرة بالموضوعية في جميع لقاءات وزراء خارجية دول الجوار العراقي لجهة رفض الاحتلال, وتأكيد الحرص على وحدة وسلامة واستقلال وسيادة العراق ورفض مشاريع التقسيم فيه على أسس عرقية ومذهبية, لما يشكل ذلك من خطر يتهدد أمن واستقرار المنطقة وينعكس مباشرة على دول الجوار.
سورية وتركيا في تقاربهما ووضعهما الأسس الراسخة لإقامة علاقات تعاون متينة تستند إلى عوامل التاريخ والثقافة والجغرافيا وصلات القربى وروابطها الوثيقة إنما ترسمان رؤى وخيارات استراتيجية صحيحة, لا شك ستعود بالخير والفائدة العميمة على شعبي البلدين وعلى مستقبل المنطقة, وتؤكد أن عزمهما الاضطلاع بدورهما الإقليمي المهم إزاء الأحداث والتطورات الجارية في العراق وفلسطين وعملية السلام.