وزيارة الوزير الأميركي- المحبط- دونالد رامسفيلد إلى الموصل مؤخراً لا تخرج عن سياق الزيارات السابقة, لا من حيث الشكل لجهة كونها سرية ومفاجئة, ولا من حيث المضمون والهدف لجهة رفع معنويات الجنود الأميركيين, وعلى الرغم من أن هذه الزيارة تنطوي تحت العناوين ذاتها إلا أنها تنطوي على دلالات أخرى من غير الصعب قراءتها جيداً.
فالوزير رامسفيلد المحبط والمحاصر بالأسئلة والانتقادات هو آخر المسؤولين الأميركيين في البنتاغون والبيت الأبيض ممن يمتلكون القدرة على رفع معنويات الجنود في العراق, خاصة بعد إجابات رامسفيلد المتعجرفة على أسئلة جنوده في الكويت فيما يتعلق بالتجهيزات ووسائل الحماية, وبعد الفضائح التي أثيرت جراء رفضه التوقيع على رسائل التعزية لذوي الجنود الذين يقتلون في العراق.
إذاً والحال كذلك, فإن للزيارة عناوين أخرى, ربما لن يكون آخرها محاولة البحث في معطيات جديدة علها تساهم في رفع معنويات الوزير ذاته المحطمة والمتدهورة, نظراً لكثرة الأصوات التي أخذت ترتفع داخل مجلسي الشيوخ والنواب مطالبة برحيله, وبسبب كثرة الانتقادات التي تلاحقه خاصة تلك التي يوجهها الجمهوريون لرامسفيلد, هذا فضلاً عن استطلاعات الرأي التي تظهر أن غالبية الأميركيين تؤيد إقالة وزير الدفاع من منصبه.
وخلافاً للعادة الأميركية الإعلامية في تغطية مثل هذه الزيارات السرية والمفاجئة فقد تم توزيع شريط تلفزيوني بزمن قياسي مليء باللقاءات والحركات الاستعراضية, وعبثاً كانت محاولة الكاميرا إخفاء علامات الإحباط عن وجوه الجنود الأميركيين, حيث كان الإحباط أحد أهم المرتسمات الواضحة والمقروءة على وجه رامسفيلد, وعلى وجوه الذين بادر لمصافحتهم أو التحدث إليهم والتقاط الصور التذكارية معهم, وقد يكون الإحباط( دافعاً ونتيجة) أهم عناوين الزيارة.
والواضح أنه كما توالي الأحداث والتطورات يثبت كل يوم عبثية وعدم شرعية الحرب على العراق, فإنه من العبث محاولة إقناع حتى الأميركيين بأن مغامرة العراق العسكرية التي دفع باتجاهها رامسفيلد والمحافظون الجدد كانت مغامرة تستحق الاهتمام والعناء والدماء والفاتورة الباهظة الثمن التي تدفعها الولايات المتحدة والعراق, وتالياً شعوب المنطقة والعالم دون استثناء لما أحدثته هذه المغامرة غير المبررة من شرخ كبير في العلاقات الدولية.
فهل تدرك الإدارة الأميركية- ولو متأخرة- أي خطأ استراتيجي ارتكبت في احتلالها العراق? وهل تدرك أن تكلفة الحرب لا يمكن حصرها بمئات المليارات التي بلغتها حتى الآن? وهل تدرك أن الخروج من العراق والقيام بإجراء مراجعة شاملة لسياستها الخارجية هو أفضل الحلول التي تجنبها المزيد من الخسائر وتنهي أزمتها ومأزقها السياسي والعسكري?!.