هو ضمان تنفيذ خطة خارطة الطريق بعد خطة الفصل الأحادي عبر تسبيق الأمن على السلام,فسيكون جهد بلير ومؤتمره الدولي أشبه مايكونان كالدوران في الحلقة المفرغة لجهة أن عقد المؤتمر على قاعدة توفير الأمن قبل السلام يبدو كمحاولة وضع العربة أمام الحصان فتكون النتيجة ثباتاً في المكان, مايعني أن المؤتمر يحمل بذور فشله في أساس فكرته إن كانت مبنية على هذه القاعدة.
ومبرر هذا الحكم على مقترحات بلير أوصفقة بلير وشارون بعد أن وافق هذا الأخير ضمناً عليها بتأييده ما يسمى مبادرة بلير, هو أن جعل الأمن شرطاً للسلام مغالطة فاضحة لواحدة من أهم حقائق الصراع ومنطق الحل الموضوعي له, فضلاً عن أنها جزء من الطروحات والشعارات التي روجتها إسرائيل على ألسنة رؤساء حكوماتها جميعهم (شامير ورابين وبيريز ونتنياهو وباراك وصولاً إلى شارون) بغية تسويغ تهربهم من السلام, وسقطت في كل مرة جرى طرحها لافتقادها الحجة والمنطق.
وتبدو مغالطة هذه الفكرة لحقائق الصراع أشد وضوحاً حين نستذكر أن غياب الأمن كان نتيجة طبيعية لغياب السلام وليس العكس, وحين نسأل عن أسباب غياب السلام نجدها في السياسة الإسرائيلية المحكومة بنزعة العدوان والاحتلال والتوسع وامتلاك التفوق النوعي بالقوة العسكرية وسيلة لتحقيق هذه السياسة, ومن ثم استخدام الاستيطان بمختلف مفاهيمه وأشكاله العسكرية والتوراتية والعشوائية والمنظمة لفرض الأمر الواقع والبناء عليه في أي تسوية مفترضة مع الشعب الفلسطيني.
تصوروا أن إسرائيل تحتل الضفة الغربية والجولان وتجتاح قطاع غزة بقوتها الغاشمة وتزرع المستوطنات فوق الأراضي المحتلة, وتعتبر القدس (عاصمة أبدية لها) وتتنكر لحق العودة وتضع شروطاً تعجيزية على كل مبادرة إيجابية للسلام كما شروطها الأخيرة على المبادرة السورية, ثم يظهر من يتصور بأن توفير الأمن أولاً يمكن أن يشكل مفتاحاً للسلام, وكأن كل ماتمارسه إسرائيل من عدوان وتهديدات سافرة ضد العرب وكل دولة تناصر قضاياهم العادلة, ونهج دموي عنصري ضد الفلسطينيين يفوق دموية النازية وعنصريتها ضد شعوب أوروبا, واحتلال جائر للضفة والقطاع والجولان ومزارع شبعا, لايشكل سبباً كافياً لزعزعة الأمن في المنطقة, وإن السبب الكافي هنا هو المقاومة الفلسطينية فقط على حد ما يزعم هؤلاء تساوقاً مع سياسة تشويه الحقائق ليصبح الإرهاب دفاعاً عن النفس والمقاومة إرهاباً مرفوضاً.
لماذا يتم تشويه حقائق المنطق والتاريخ والسياسة على هذا النحو الجائر..?
الجواب هو في ضمان أمن الاحتلال الإسرائيلي وتقوية الموقف التفاوضي لإسرائيل في حضورها للمؤتمر الدولي أو في غيابها عنه إن عقد.
ولو لم يكن هذا هو الهدف من سوق الأمن شرطاً مسبقاً للسلام خلافاً لما يجب أن يكون عليه منطق الطرح, لكان على الذين يتبنون هذا الطرح الذي كان بدعة إسرائيلية في الأصل, أن يتذكروا حقيقة أن الاحتلال الإسرائيلي وتمسك حكومات إسرائيل به على اختلاف منابتها الحزبية ومشاربها السياسية, هما سبب كل علة في المنطقة, وفي مقدمة هذه العلل غياب السلام الذي أدى بالضرورة إلى غياب الأمن وليس العكس,وأن يتذكروا قبل هذا كله حقيقة أن تجربة أوسلو التي جرى تطبيقها قبل عشر سنوات على أساس من هذا الطرح الخادع انتهت إلى فشل ذريع لأنها بنيت على منطق مقلوب اشترط الأمن مدخلاً للسلام, وكانت النتيجة هي عودة دورة العنف والصراع الدامي إلى المنطقة بأشد مما كانت قبل أوسلو.
لكم كنا نتمنى على بريطانيا بلير أن تكون أكثر واقعية ومنطقية فتتذكر حقائق الصراع وتاريخه, وخاصة دورها الذي لاتحسد عليه في صنع مأساة الشعب الفلسطيني بوعدها المشؤوم ودعمها المحوري لإقامة كيان عنصري غاصب وتوسعي في أرض فلسطين, وأن تعمل في اتجاه التكفير عن ذنوب هذا الدور بدلاً من التماهي مع سياسة المراوغة الإسرائيلية والقفز فوق المنطق والواقع ومتطلبات السلام, ولو فعلت لقلنا إن عملية تصحيح لخطأ تاريخي في المنطقة قد بدأت بالفعل.