بل التغييرات التي شملت العالم منذ أحداث 11 أيلول, كما لو أنها صناعة أميركية , أو اختراع أميركي سابق زمانه وشروطه وذات ثمار تنضج قبل الأوان .ولم يتردد مسؤولو ادارة الرئيس بوش بمناسبة وغير مناسبة في التهليل للتغييرات وتصويرها في هيئة الخلاص الأخير لدول ومجتمعات ارتقت فوقها سفينة نوح الاميركية, على حد تعبير توماس فريدمان,وبات على هذه المجتمعات إما أن تلتحق بالسفينة بأي ثمن وأي شروط , وإما ان تترك نفسها للغرق والتلاشي.
الأداة العسكرية الاميركية الثقيلة ,والمناهج الفكرية المتغطرسة, جعلت من مشروع التغييرات الاميركية عقداً استثمارياً يقدم نموذجاً للتنفيذ ومدة زمنية محددة له ولايرتب أي غرامات تأخير, اللهم تلك التي على الدول والمجتمعات ان تدفعها طوعاً او كراهية , لقاء إلحاقها بالنموذج الحضاري الأميركي, وأما طرفا العقد , فالأول هو تفجيرات الحادي عشر من أيلول, ومارتبته من اتهامات وتصورات, والثاني هو تداعيات التفجير في العقل السياسي الأميركي, والضرورات التي انتهى اليها بشأن تغيير العالم وليس التغير معه.
غير أننا , ونحن نشهد مراحل المشروع الأميركي التغييري الذي بدأ بافغانستان ووصل الى العراق, لم نلحظ غير بقع من الدم تتسع وأكواماً من الركام تتزايد, مضافاً إليها, نعوش يتوالى وصولها الى أميركا حيث فرق المراسم والحداد تنتظر وتسجل أهم تداعيات المشروع التغييري على الساحة الأميركية.
بعد عامين تقريباً من نفاد العقد الأميركي لتوريد الديمقراطية وحقوق الانسان الى المنطقة العربية بدءاً من العراق, بات واضحاً ان ثمة مشكلات في المشروع تؤخر تنفيذه او حتى تعطله, ليست في أدواته فالقوة الأميركية كافية وافية, وهي ليست في مناهجه ايضا, بل في شروط التغيير, وفي انقلاب عناوينه الى كوارث.
بعد عامين من تنفيذ سيء وتغيير أسوأ, تراهن إدارة الرئيس بوش مجدداً على التغيير في المنطقة العربية, على أدواته لاعلى شروطه, وتتحدث عن تغييرات من الداخل, من داخل المجتمعات العربية, ولكن كيف??
إذا كان الاحتلال المباشر وبالقوة العسكرية الجبارة قد أخفق في توفير الأمن والاستقرار وفي التمهيد للتغيير الذي وعدوا به, فبماذا سينجحون في إحداث التغيير من الداخل .. هل نحتمل شيئاً آخر غير الفتنة والحروب الأهلية والفوضى التي تثيرها الاصابع الخفية?