( لماذا لا تكتب إلا عن الأشياء السلبية .. وكأنك لا ترى إلا السواد ...)
ولإنني خجول ومصاب بالشعور المزمن بالذنب , فقد ارتبكت وكدت أن أعتذر , غير إنني ما إن خرجت من مكتبه , حتى استعدت شجاعتي وهذا أمر يحدث لي فقط خارج مكاتب رؤسائي .. ثم تذكرت حكايتي الطويلة مع الحكمة الأزلية والمرشحة لأن تكون أبدية :
( عليك ان ترى النصف الممتلىء من الكأس )
لطالما أُلقيت هذه الحكمة على مسامعي , ولطالما حاولت أن أؤمن بها ولكن دون جدوى . حسناً لنستبعد البعد الرمزي لهذه العبارة وندقق فيها حرفياً :
تخيلوا أن تدخلوا إلى بيت رجلٍ فيصب لكم نصف كأس من الشاي . بالتأكيد ستعتقدون انكم امام واحدٍ من اثنين : إما فقير للغاية أو بخيل للغاية , وفي كلتا الحالتين لن يستحق مديحكم .
في الحالة الأولى ستشفقون عليه , وربما تنبهوه الى حالته المزرية , وفي الحالة الثانية ستدينون تقتيره بلا رحمة ...
لا أعرف لماذا علي أن أشكر وزارة الثقافة لإنها تصدر كتباً , ومديرية المسارح لإنها تقدم بضعة عروض مسرحية , ومؤسسة السينما لإنها تنتج فيلماً كل عام أو عامين , واتحاد الكتاب لإن موظفيه ( وبينهم أعضاء مكتبه التنفيذي ) يداومون خلف مكاتبهم , والمراكز الثقافية لأنها تفتح أبوابها من الثامنة صباحاً وحتى الثانية ظهراً ..
هذا هو النصف الممتلىء من الكأس , أما النصف الفارغ فهو ان هذه الكتب لا يقرؤها أحد , وهذه العروض تنتمي الى المسرح على سبيل المجاز لا أكثر , وهذه الأفلام لا يستسيغها سوى مخرجيها .
موظفو الاتحاد يستثمرون أوقات فراغهم المديدة بلعب دور الرقباء وعلى طريقة محاكم التفتيش , ومسؤولو المراكز الثقافية يقتلهم الضجر لإن أحداً لا يزورهم حتى للسلام عليهم ...
الآن .. احكموا بأنفسكم : إلى أي من النصفين علي أن أنظر ..?
في سابقة طريفة اتصل أحد المسؤولين بصحفي مشاكس وسأله :
( لماذا تصر على النعيب مثل الغراب ..?)
أجاب الصحفي :( حافظوا علينا نحن الغربان لأننا على الأقل - نذكركم بأن الخلود وهم وبأن الموت حقيقة مؤكدة )!
أجل .. حافظوا علينا نحن (الساخطين ) , لا لنذكركم بأن الكمال وهم , بل أكثر من ذلك : لنذكركم بأنكم لم تخطوا بعد على طريق الكمال ..