وهل يمكن الأخذ بها للقياس على سواها, ثم هل تجوز المقارنة وفق ذلك المعيار للحديث أم ثمة دوافع أكبر من ذلك يمكن أن تكون مرة أخرى الشاهد على ما يحدث?!
لا تبدو القضية وفق هذا المعيار قابلة للنقاش, بل هي أيضاً لا تحتمل الحديث عن تداعيات أغلقت الأفق, حيث الشعارات واليافطات المرفوعة تتهاوى, والحرج السياسي يدفع بأكثرية المتورطين مع الاحتلال إلى إشهار سيف الاتهامات يميناً ويساراً في جدلية التوافق الغائبة.
ربما كانت المقارنة الوحيدة المتاحة هي في الحديث عن ديمقراطية الموت, ولكن ذلك لا يعفي من التساؤل عن تلك الديمقراطية التي أزهرت الحرية الموعودة من خلالها كل ذلك القتل?!.
عندما يتساءل فريدمان عمن يقود السياسة الأميركية في العراق, ومن المسؤول عن وضع تلك الاستراتيجية, يحق للآخرين أيضاً أن يتساءلوا عن الجهة التي يحق لها تقديم الإجابة?.
ليس من الحكمة الذهاب وراء التحليلات المكثفة والاستنتاجات التي تقول بالعبثية منطقاً لتفسير غياب المنطق, وليس من الموضوعية في شيء الأخذ بالقراءات التي تتحدث عن أجنحة السياسة الأميركية بشقيها التكتيكي والاستراتيجي كحالة قائمة ولو في حدودها الدنيا.
ولكن ذلك لا يمنع من التمعن قليلاً في المشهد وكثافة السوداوية التي تشغل كامل مساحته, لكي نستنتج مباشرة حجم المفارقة القائمة وهي تطوي معها المفاهيم الأولى لكل ما يحاول الأميركيون تسويقه.
وعندها قد يغدو تساؤل فريدمان والآخرين الذين ادعوا الجرأة من الاميركيين, صالحاً للاستخدام كمدخل للحديث عن المستنقع الفعلي الذي تغوص فيه السياسة الأميركية إلى حد المأزق الحقيقي.
وإذا كانت رائحة الموت هي الحصيلة التي تجمع مدن العراق وقراه, وهي تدمغ بالدم ألوانها, فإنه يحق للجميع أن يطرح الاستفسارات, والتساؤلات ولكن بنوع من التحديد الدقيق, عن مسؤولية أميركا وإدارة الرئيس بوش وطاقم الحرب لديه عما يجري.
ويحق أيضاً للجميع أن يبحث عن الإجابة, بل وأن يساهم في تقديمها, والعمل على تدارك المخاطر الناجمة عن استمرار تجاهلها أو إغفالها, ولا سيما عندما يكون الاجتزاء في كل ما يجري حصيلة أولية للمأزق, وليس الحصيلة كلها.
وهذا لا يخرج بأي حال من الأحوال عن هامش المسؤولية التي يتشارك فيها الجميع, وبالتالي كان الافتراض الأولي الذي ألح الأميركيون على تسويقه يشكل في جوهره, اعترافاً ضمنياً بتبدل الكثير من الحسابات.
ومع تبدل تلك الحسابات, نشهد قلباً للكثير من المعدلات, ما أتاح الفرصة للحديث والتساؤل, وحتى للنقاش على قاعدة أن أحداً لا يقبل بفرضية الموت المجاني, وأن الآلاف من الضحايا التي أنتجتها الديمقراطية الأميركية الموعودة لا بد أن تفتح سوقاً يصعب إغلاقه.
وهناك من يشير إلى أن ذلك كله مقدمة للمخاض, ورائحة الموت جزء من ذلك المخاض, ورغم حدة المأساة فيه, وشمولية الكارثة التي ينطوي عليها لكنه في النهاية يقدم الدليل على أن ديمقراطية بهذا المحتوى, وبتلك النتيجة, لا بد من التوقف كثيراً عند مفرداتها.