وهي تبدأ من سريان مفعول اتفاقات منظمة التجارة العالمية التي نتطلع في الانضمام إلى طوابيرها الطويلة, مرورا بتحرير التجارة العربية البينية عملا بمضامين منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى- بعد انتهاء سنوات الخفض المتدرج للضرائب الجمركية- وليس انتهاء بشراكتنا مع أوروبا التي ستكون موضع التنفيذ في أعقاب التصديق على الاتفاق, من جانب سبعة وعشرين برلمانا أوروبيا, ..فضلا عن بعض الاتفاقات الاقتصادية الثنائية التي تربط بلدنا مع بلدان أخرى, كان آخرها الاتفاق المبرم مع تركيا.
في مواجهة هذا المشهد, من التبدلات الاقتصادية العربية والعالمية .. نسأل:هل كانت الإصلاحات في بلدنا تبعث على الرضى وتبشر في إمكان مواجهة تحديات واستحقاقات , كنا ندركها منذ سنوات ونعلم أنها قادمة?!
الاجابة على هذا السؤال ليست موضوع زاوية أو مقالة صحفية عابرة.. ومع ذلك, يمكن القول وبشيء من الكثافة اللغوية: إن الاستحقاقات كانت تستدعي أداء مغايراً فالمعطيات الرقمية المتوافرة, ونسب النمو المحققة- على الأقل خلال العام الحالي-, وحصاد الإصلاح بمفهومه الشامل والواسع..,جميعها لم تصل إلى مستوى الطموح, ولا حتى ضمن الحدود الدنيا, وذلك على الرغم من حضور بعض النيات الحسنة من جانب القائمين على دفة الاقتصاد الوطني,فالأمر الذي لم يعد موضع شك أو نقاش بعد مضي سنوات على رفع يافطة الإصلاح, هو أن هذه الأخيرة لم تتمكن من محاكاة حقيقة التبدلات التي طرأت على ظروف وشروط الاقتصادات العربية والدولية, حتى أن شعار الإصلاح, كان مبهما حينا ومرتبكا في كثير من الأحيان, ففي الوقت الذي تبدو فيه دعوات بعض المسؤولين في الحكومة الأخيرة, مشجعة لمنح القطاع الخاص مزايا وتسهيلات والتغريد في سرب اقتصاد السوق, إلا أنها وفي الوقت ذاته نجدها مترددة ومتباطئة في إصدار التشريعات والقوانين التي من شأنها زيادة فاعلية القطاع الخاص في المشهد الاقتصادي, وللدلالة على مثل هذا الكلام, يمكن التذكير, أن قانون الاستثمار- البديل عن القانون رقم 10 - والتجارة , اللذين يشكلان قاعدة أساسية للاستثمار الخاص, مازالا إلى الآن قيد الإعداد والدراسة, مع أن التجار والصناعيين ورجال الأعمال, أشاروا وفي غير مناسبة, أن سياسة الانتظار والتسويف والتلكؤ , لم تعد محتملة, ولا تصب في مصلحة الاقتصاد الوطني وما يحيطه من أمراض وإرباكات, ومعوقات إدارية وبيروقراطية.
البعض من الذين يعتقدون , أنهم الأكثر غيرة على الاقتصاد الوطني, وعلى وجه التحديد من الذين يبدون حرصا ليس بريئا على مؤسسات وشركات القطاع العام, قد يعيد إنتاج اسطوانة قديمة مفادها, أن أي تسريع في عجلة التحول الاقتصادي سوف يقود إلى جلب الكوارث أو ما هو قريب منها, وقد لا يتوانى عن التذكير وبشيء من التفاخر, إلى ما آل إليه الاقتصاد الروسي واقتصادات أوروبا الشرقية بعد الانتقال إلى آليات اقتصاد السوق, غير أن هذا البعض الذي يتمترس خلف دروس قديمة- حفظناها عن ظهر قلب - , أولا: يحاول أن يتجاهل الدعوات الرسمية المتواترة التي تشير بين الحين والآخر, إلى أن الحكومة لم يعد بمقدورها الاستمرار بالدور الأبوي الذي تأخذ به منذ عقود, وثانيا: هذا البعض يريد للحاضر الاقتصادي أن يستمر ويتواصل بشروطه الراهنة, بهدف الحفاظ على الامتيازات والمكاسب التي يوفرها القطاع العام .
في كلامنا هذا, بالضرورة لا نعني التشجيع في الانتقال إلى آليات اقتصاد السوق بين ليلة وضحاها, على طريقة ما يسمى العلاج ب¯(الصدمة).
ولا ننكر على الحكومة الحالية أو التي سبقتها ما قدمته من قوانين ومراسيم تحاكي نسبيا تحولات العصر...,
ومع ذلك , فإن الانتقال المتدرج الذي يتغنى به هذا المسؤول أو ذاك , لم يعد في حقيقته إصلاحا متدرجا, وإنما مراوحة في المكان, قياسا بالمرحلة الزمنية التي تفصل بين الدعوة إلى الإصلاح والنتائج المحققة.. واسألوا الشارع الذي يقول لسان حاله علانية وبفم مليء.. عن أي إصلاح يتحدثون ?!