ذلك أن معظم هؤلاء (الأصدقاء) لم نسمع أو نعرف بصداقتهم بالراحل إلا بعد موته, وما قدموه من إثباتات شفوية تشير إلى هذه الصداقة, وضعتهم في موقع المرأة التي تسعى للحصول على نصيبها من ميراث (مسيارها) الميت, دون أن يكون لديها ما يثبت أنه كان (يسايرها) فعلاً.
شخصياً, أستطيع هنا, وببساطة متناهية, أن أسرد عشرات القصص عن صداقتي الحميمة بالراحل, مع أنه لم تكن تربطني به سوى بضع تحيات عن بعد, لا تتعدى أصابع اليد الواحدة, وكنت دائماً أشك بأنه كان يربط ما بين شكلي واسمي.
والمفاجأة في رحيل عدوان, لم يكن موته, وخاصة أنه كان يعاني من مرض عضال, بل في سيل (الأصدقاء الأعزاء) الذين اكتشفناهم بعد رحيله, وهو ما ذكرني بكاتب ادعى في ندوة رسمية, أن الراحل سعد الله ونوس سرق منه موضوع مسرحيته (منمنمات تاريخية) بعد حديث شفهي جرى بينهما. ولأن المتهم والشاهد الوحيد رحل إلى العالم الآخر,فإن إثبات أو نفي هذه التهمة ليس بالأمر اليسير, ولن يستطيع أحد أيا كان, كشف الحقيقة والحد من تقوّلات مدعيها.
على أن الأمر مع عدوان, أقسى وأمرّ, لأنه يرتبط بسرد حوادث إنسانية يصعب كشفها, وأحاديث خاصة لا يمكن نفيها أو تأكيدها, وبالتالي فإن أي واحد منا, يمكنه اختلاق القصص وتدبيج المراثي, دون أن نمتلك القدرة على معرفة نسبة الحقيقة فيها.
استغرب تفجر الصداقات عند موت الروّاد, حيث تصبح الكتابة عنهم جزءاً من غريزة القطيع, وكأن الشهرة يمكنها أن تنتقل بالعدوى من شخص إلى آخر!! وأتساءل: ماذا لو عمل هؤلاء (الأصدقاء) بصمت من أجل الراحل, وقدموا مقترحاتهم (النبيلة والجليلة) من أجل تكريمه وحفظ أدبه, والبحث عن السبل الكفيلة لحفظ تراثه, بعيداً عن الحكي واختلاق القصص, وإلا (قسماً عظماً) طالبتهم بما يثبت قصصهم وحكاياهم مع الراحل, وبأنه فعلاً كان (يسايرهم) بقلبه وأدبه.. وهو أضعف الإيمان.