وإذا كانت فوضى الأسعار, هي سمة من سمات البيع والشراء في السوق المحلية ومنذ زمن بعيد, فإن ما يميز حالة الفلتان الراهنة, أن المنتجين والصناعيين والتجار وأشباههم وجدوا في رسوم الإنفاق الاستهلاكي التي أقرت قبل أقل من شهرين, ذريعة تمكنهم, ليس فقط من التلاعب بما جاء في مضامين الرسوم الجديدة ومضاعفتها, وإنما أيضاً إلى رفع أسعار رزمة كبيرة من السلع التي لم يأت على ذكرها مرسوم الإنفاق لا من قريب ولا من بعيد.
ولسان حال المستهلك العادي يقول: إذا كان التجار والمنتجون يركبون موجة مرسوم الإنفاق بهدف تسويغ التلاعب بالأسعار.. فأين هي مضامين المرسوم التي سمحت برفع أسعار المواد الأولية التي تدخل في صناعة الألبسة?!.. وهذا السؤال أصاب عين الحقيقة لأكثر من سبب, فأسعار الخيوط والغزول والأقطان المنتجة محلياً لم يطرأ عليها أي تبدل, بل يشير البعض من المطلعين على أدق التفاصيل في صناعة الألبسة, وبكثير من الصراحة والشفافية, إلى أن تواصل حالة الكساد وتراجع وتائر التصدير إلى السوق الخارجية تستدعي تراجعاً في الأسعار, بدلاً من ارتفاعها.
الأمر الذي ليس بحاجة إلى براهين ولا يضيف أي جديد إلى ثقافة المستهلكين أن سوق الألبسة وسواه من الأسواق الأخرى,لم تعد تحكمه أي ضوابط, بسبب عدم نضوج الشروط الذاتية والموضوعية بإقرار سياسة تحرير الأسعار التي أخذت بها الحكومة قبل أكثر من عامين وتركت تداعيات ليست في صالح المستهلكين,.. فمن يقصد أسواق المدن الكبرى مثل دمشق وحلب واللاذقية, سوف يلحظ, أنها تغص بأصناف وماركات لا حدود لها, وبعض هذه المنتجات تعلن عن نفسها وتحمل لصاقة تدل على المنشأة الصناعية الصادرة عنها, وبعضها الآخر مجهول المصدر, أو يحمل علامة تجارية تشير إلى تهريبها من أسواق خارجية, مع أنها منتجة محلياً.,/ووجه المفارقة ليس في التنوع اللامتناهي الألبسة, وإنما في أساليب التدليس التي يدرجها البعض ضمن تسمية (الشطارة).. مع أن هذا التعبير الأخير سوف يدفع ببعض هذه المنتجات آجلاً أم عاجلاً للخروج من ساحة الأسواق والى غير رجعة,.. ومن بين أساليب التدليس التي نقصدها التي قد لا نعثر على مثيل لها أو ما يشابهها في أسواق العالم, أن المستهلك العادي قد يتمكن وبعد مساومات سريعة من خفض سعر المنتج إلى ما يزيد عن نصف القيمة المعلنة..,وفي حالات أخرى, يتم تحديد سعر السلعة بالإتكاء على مكانة السوق وأهمية موقعه ومكانته الاجتماعية, وليس انطلاقاً من المواصفة والجودة.., إذ يمكن تسوق السلعة بسعرين, مع أنها تعود إلى ذات الجهة المنتجة وتحمل ذات المواصفة والعلامة التجارية.
ومثل هذا الأمر إذا كان يدل على شيء, فهو أول ما يدل على التلاعب الفاضح في تحديد هوامش الربح الحقيقية أو المنطقية.
وبمنأى عن الكثير من الملاحظات التي يمكن تسجيلها عشية العيد, فإن هذه الفوضى السعرية ليست في مصلحة الصناعة الوطنية, وتزيد من هوة عدم الثقة بين المنتج والمستهلك.., وهي إذا كانت تعود في ظهورها وتفاقمها إلى سياسة حماية هذه الصناعة على مدار عقود من الزمن, فإن مصير هذه السياسة سيؤول إلى الزوال مع الانفتاح المرتقب للأسواق تماشياً مع اتفاقات الشراكة مع أوروبا واتفاقات منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى, وسواها من الاتفاقات التي ستقود بالضرورة إلى تكريس المنافسة السلعية والتي هي السبيل الوحيد للوصول إلى أسعار مجزية وجودة عالية ترضي المستهلك أولاً وأخيراً.