وبنفس الوقت لم يستبعد رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال ريتشار مايرز نشوب حرب أهلية في العراق بعد الانتخابات العامة المقررة في كانون الثاني القادم.
هذا التضارب الصارخ في تعبيره عن مواقف سلطة الاحتلال يطرح السؤال التالي: إذا كانت الانتخابات ستؤدي (ولو بنسبة ضئيلة) إلى نشوب حرب أهلية عراقية - كما ألمح مايرز فلماذا هذا الحشد الأمني والإعلامي لإجرائها?
في الأسابيع القليلة الماضية سقط مئات العراقيين بين قتلى وجرحى وسويت مدينة الفلوجة بالأرض, بذريعة بسط الأمن تحضيراً للانتخابات ولم نسمع تعليقاً للحكومة العراقية على ما قاله مايرز, تعمل مع القوات الأميركية تحت هذا الإطار مع التأكيد على إجراء الانتخابات في موعدها المحدد, وهذا ما يدعو للتساؤل مجدداً عن السر الكامن وراء عدم استبعاد مايرز نشوب حرب أهلية في العراق بعد هذه الانتخابات..?
في الإجابة على ذلك هناك أكثر من احتمال, فإذا كانت الغاية تندرج في إطار التحذير الأميركي من مغبة مقاطعة الانتخابات بعد إعلان العديد من القوى السياسية العراقية اللجوء إلى هذا الخيار, فذلك ينطوي على تحريض خطير ويحمل رسائل قد تفسر بشكل خاطئ ومختلف تبعاً للاختلاف القائم في العراق بين القوى السياسية حول توقيت الانتخابات ومصداقية إجرائها في ظل الاحتلال.
أما إذا كان الهدف من إطلاق هذا التصريح يندرج في إطار تحضير الأجواء لنشوب حرب أهلية عراقية (مع الأخذ بعين الاعتبار أن ما تفعله القوات الأميركية على الأرض يسهم في ذلك) فهذا يدخل الاحتلال في مأزق خطير, ويصب في خدمة التوجهات والمساعي الإسرائيلية لإشعال المنطقة بالكامل.
والاحتمال الآخر الذي قد يكون قصده مايرز من تصريحه, يتمثل في إيصال رسالة إلى العراقيين ومؤتمر شرم الشيخ بأن استمرار الاحتلال ضروري للحؤول دون نشوب حرب أهلية رغم تناقض ذلك مع الوقائع على الأرض, والمخاوف العراقية المتزايدة من محاولات الاحتلال اللعب على هذا الوتر بعد أن فشل في دفع العراقيين إلى الاقتتال الداخلي والطائفي.
تاريخياً لم تفرز أي انتخابات جرت تحت الاحتلال واقعاً صحياً, وكثيراً ما أدت إلى انقسامات سياسية وحزبية واجتماعية, والوضع العراقي المأزوم أمنياً وسياسياً نتيجة إجراءات الاحتلال المختلفة وتقاعس المجتمع الدولي عن مساعدة العراقيين لتجاوز محنتهم وإنهاء الاحتلال, يجب أن يؤخذ بالحسبان إذا بقيت الانتخابات في موعدها المحدد وعلى القوى السياسية العراقية التي تؤيد أو تعارض الانتخابات توخي الحذر والحرص على المصلحة الوطنية العليا عبر التمسك بالوحدة الوطنية, وعدم الوثوق بوعود الاحتلال وممارساته والتعامل مع الأحداث والتطورات من منطلق وطني, وبما يفوت الفرصة على الذين يدفعون باتجاه نشوب حرب أهلية في العراق مهما كان الثمن السياسي المترتب على اتخاذ هذا الموقف.
فالاحتلال قد يفعل أي شيء لتحقيق أهدافه ومصالحه, ولكن من الخطأ الجسيم الوقوع في مطبات تلميحاته (تهديداته) بوقوع حرب أهلية, والاستجابة لمطالبه والتعويل عليه في تفادي هذه الحالة الخطيرة.