والأوروبيون شأنهم شأن الغالبية العظمى من دول العالم, باتوا لا يجدون حرجاً في تسمية الأشياء بمسمياتها, وتوصيف الحالة الراهنة القاتمة السواد بالنسبة لآفاق السلام, وتراجع وتبدد الآمال في الوصول إلى حل عادل وشامل للصراع, إذا ما بقيت الأمور على هذا النحو دون تحرك فاعل يعيد الحياة للعملية السياسية ويضع قطارها على السكة الصحيحة, وهذا لا يتأتى بغير إلزام الطرف الصهيوني الرافض والجاهد للتنصل من تبعات التسوية ونسفها وإغراقها بالدم والنار, والمستقوي بحليف لم يثبت طيلة ثلاثة عشر عاماً انقضت أهليته في أن يكون وسيطاً حيادياً نزيهاً وصانعاً للسلام, بمرجعية العملية السياسية واستحقاقاتها..
لقد جرى تهميش أوروبا الجارة القريبة الأكثر التصاقاً بالمنطقة, وتفاعلاً وتأثراً بما يجري, وارتباطاً بمصالح في غاية الأهمية والحيوية, وأبعدت كما القوى المؤثرة الأخرى في الساحة الدولية, ممثلة بأعلى هيئة هي الأمم المتحدة ومؤسساتها عن هذا الملف والاضطلاع بأي دور يمكن أن يقدم مساهمة حقيقية في صنع السلام وإعادة الأمن والاستقرار إلى هذه المنطقة المتفجرة والشديدة الاضطراب, بواقع الاستئثار الأميركي وممانعة ومحاربة إسرائيل أية جهود لا تصب في قناة احتلالها وخدمة أطماعها ومشروعها التوراتي.
وإذا كانت الصحوة قد جاءت ولو متأخرة بعض الشيء وآثر الأوروبيون بعد طول انتظار رفع الصوت والمجاهرة بالحقيقة المجردة, وإشهار التحدي في وجه غطرسة وحلف القوة, والتحرر من ربقة التضليل, والرفض في البقاء بموقع المتفرج وشاهد الزور على شعب يباد بطرق غاية في الوحشية والعنصرية على أيدي مافيات القتل والإرهاب والجريمة المنظمة في الكيان الصهيوني, فلأنهم أرادوا التعبير عن الاستياء والسخط, والرفض في أن يظلوا المطية ومظلة الدعم والبقرة الحلوب الذين يدفعون ثمن حماقات إسرائيل وجنونها واحتلالها, وورقة الابتزاز ومجرد الرقم في حسابات أميركا, والإصرار على أخذ زمام المبادرة وفي أن يكون الخطاب والموقف الرسمي مواكباً ومسايراً لرغبة الشارع, ورأيه الذي أجمع على أن إسرائيل تمثل التهديد الرئيسي للسلام العالمي.
ومع تقديرنا لهذا التحول والقناعة بأنه يفاقم من أزمات إسرائيل ومأزقها, ويعريها كقوة عدوان واغتصاب, ويزيد في عزلتها ومحاصرتها وحليفها الأميركي.
فإن منطق الأشياء يقول بأن العرب معنيون ومطالبون باستثمار ذلك, والحفاظ على الاندفاع الأوروبي والدولي في اتجاه الانتصار لمبادىء وقيم الحق والعدل والسلام.
والتكفير عما أصاب هذه المنطقة وأبنائها بفعل الإهمال واللامبالاة والانحياز الأعمى إلى جانب إسرائيل والدعم لسياستها ومشروعها, وأن ينصب الجهد والعمل في اتجاه تطويره وتحويله إلى إجراءات عملانية وقوة ضاغطة, توقف هذه الاستباحة الدموية والعربدة الصهيونية المنفلتة في كل الاتجاهات والتدمير المبرمج للسلام.